كيف تقضي على البطالة؟ (8)
يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
“المعرفة فن ولكن التعليم فن آخر قائم بذاته”. شيشرون.
فيما يتعلق بموضوع التخصصات العلمية بالمدارس والمعاهد والجامعات، وقبل الحديث عن ذلك علينا أن نسأل أنفسنا أسئلة مفصلية مهمة:
هل أنظمة التعليم المُتبعة حاليًا والمستمرة مراحلها منذ عقود صالحة لظروف اليوم ومقتضيات اليوم؟ هل تم إجراء إحصائية لمعرفة الفائدة الحقيقية منها، بشكل آخر؟ هل أوائل الطلبة استفاد منهم الوطن؟ قبل ذلك هم أنفسهم أين وصلوا بعد مراحل التفوق الدراسي؟
وأيضًا أسأل: هل أنظمتنا غير قابلة للتغيير أو إعادة ترتيب وهيكلة جديدة بما ينسجم مع المتغيرات في أسواق العمل؟ والأهم.. هل حصلت مبادرة أومشروع لإعادة النظر وتقييم العملية التعليمية ومخرجاتها وبيان إمكانياتها والجدوى من النظام المتبع؟ وهل المطلوب بنهاية السنة الدراسية إنتاج طالب ناجح بالدرجات أم طالب مُتعلم تعليمًا حقيقيًا؟ وفي الجامعة هل المطلوب إنتاج إنسان مؤهل أم حامل شهادة؟
الأجوبة على الأسئلة السابقة ستُحدد جزءًا مهمًا من فلسفة الدول في التعليم، وما المطلوب من المدارس والجامعات؛ لذلك إن أرادت الجهات العُليا التي تأخذ على عاتقها تطوير العملية التعليمية بشكل شامل يُفيد البلد ويملأ سوق العمل بالعمالة المُنتجة، أن تتخذ عدة إجراءات تفصح بها عن حقيقية الإصلاح المنشود، وليس الإصلاح بالتصريحات وملء وسائل الإعلام ببيانات لا تعبر عن التوجه والعمل الحقيقي لتلك الجهات، والتي يفترض أنها كذات الشأن التحرك بجدية والمثابرة لتحقيق ما يخطط ويرسم كسياسة عامة متطورة ومناسبة للتعليم وربطه بسوق العمل.
أولًا: علينا أن نعقد جلسة هادئة كل شخص فيها يغلق هاتفه النَّقال، ويُهيئ فكره للنقاش الهادئ والحوار الطويل الهادف والذي يجب ألا توجد به مجاملات بل وضع اليد على الجرح مباشرة، في هكذا أمور حين تبدأ المجاملات يفترض فض الاجتماع فورًا حفظًا للقيمة المعنوية للقضية ذات النقاش، كذلك تثمينًا لوقت المسؤولين الأفاضل حضور الاجتماع !
برأيي المتواضع أن مخطط تعديل وإعادة ترتيب النظام التعليمي يحتاج تضافر قوى تعليمية اقتصادية، اجتماعية، وثقافية يسندها قرار سياسي جازم يشعر بحساسية الوضع، غير ذلك لا أظن الوضع سيتغير، الحل تغيير شامل بفلسفة التعليم، ونسف كل المناهج الحالية، وإعادة ترتيب وحذف وإضافة في المراحل الدراسية، وطي نهائي لصفحات قصة أوائل الثانوية العامة التي تؤرق الأسر والطلبة وإرهاق وبالنهاية غالبًا لا إنتاج حقيقي من ورائها، والعمل على تشكيل مدارس على شكل جامعات تخرج لسوق العمل فورًا، وكمثال يدرس الطالب حتى مرحلة متوسطة أوإعدادية يتعلم بها الأساسيات من كتابة وقراءة وعلوم شرعية مهمة، ومدخل للرياضيات وكذلك للعلوم وتأسيس للغة الإنجليزية، بعد ذلك يلتحق بمعهد تابع لجهة مُعينة (جهة عامة أم مؤسسة خاصة أوحتى السلك العسكري) تتولى هذه الجهة مسؤولية تعيينه مباشرة بعد إتمام الدراسة، وذلك بنظام (دراسة/ وظيفة)، عند ذلك ستجد مخرجات حقيقية تعبر عن احتياج سوق العمل.
التعليم التلقيني لم يعد يصلح مع كثير من المقررات الدراسية،؛بل إن كثيرًا من المقررات لم تعد صالحة للدراسة، في عصر ثورة التكنولوجيا والهواتف الذكية، والذكاء الاصطناعي لم يعد الوضع يحتمل أن تضع مادة علوم تشرح بها جذع الشجرة أو أعضاء جسم الإنسان وتطلب من الطالب حفظها (لاحظ حفظها وليس فهم الموضوع)، ثم تضع له اختبارًا يكون وضعه بين ثلاثة، إما أنه حافظ ومن ثم تمضي الأمور على خير، أو أن يُبادر بالغش وممكن تسحب الورقة، وإما راسب. وفي كل الحالات الثلاثة لن يستفيد استفادة حقيقية وسينسى مع نهاية الفصل الدراسي ما حفظه وليس ما درسه، إنها آفة التلقين!
ما يحدث حاليًا في كثير من دول العالم الثالث هو التعليم التلقيني، وهو ما يتناقض مع العلم والمعرفة . تزويد سوق العمل بحاجياته من الأيدي العاملة الوطنية الماهرة أفضل من حصص تعليمية بناء على مناهج جامدة لا تقدم أي إضافة أو علما حقيقيا أو مهارة لطالب العلم، التخصص مهم جدًا وهو الذي سيفرز المتعلمين ذوي الفائدة، وليس طلبة مدارس يتلقون تعليمًا يعتمد على التلقين، ويتم نسيان كل ما درسوه مع نهاية آخر اختبار!