كم نحن مسرفون بلا هدف …
سعيد بن سيف الحبسي
إعلامي وكاتب عماني
wwws9@hotmail.com
أستميحكم عذراً بأخذ هذا العنوان من قصة ليست بالغريبة على الكثير من القرّاء، وهي قصة المرأة الإفريقية وطفلها الرضيع مع المغفور له بإذن الله تعالى الداعية الإسلامي الكبير في أفريقيا والطبيب الكويتي الدكتور عبدالرحمن السميط – رحمه الله – ، قصة إنسانية مؤثرة تحاكي واقعاً مؤلماً تعيشه الكثير من المجتمعات العربية المسرفة في مأكلها ومشربها وملبسها وأوجه رفاهيتها مقابل تقصيرها في دفع أموال الزكاة والصدقات والتبرعات الخيرية، واقع تنفطر له القلوب قبل أن تدمع له العيون، فهكذا حال قد شهدناه بين أروقة مجالس العزاء وقاعات الأفراح والولائم الاحتفالية الرسمية والقبلية، وسمعنا عنه نقلاً عن أُناسٍ حضروا وشاركوا في مثل هذه الأفعال الدخيلة على مجتمعنا العماني، ولكن للأسف ما زالت هذه المشاهد تتكرر في حياتنا اليومية، ونرى أكواماً من المأكولات والأغذية والملابس والأثاث وهي مرمية عند براميل القمامة أو في أماكن ليست بالبعيدة على مشارف المدن أو القرى أو بين المراعي أو الصحراء.
إن النهي عن الإسراف جاء في مواضع عدة من كتاب الله الحكيم، ومن بينها قوله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في الآية (٣١) من سورة الأعراف ” يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ “.
كما ورد النهي عن الإسراف في السُّنة النبوية الشريفة وعلى أفواه العلماء والأدباء والشعراء، نهي جاء للعبرة وعدم البطر على النِّعم وشُكر الله عليها، فكم من جارٍ فقير نام وعياله يتضورون جوعاً وجاره الغني لا يصله ولا يعرف حاجته؟ وكم من موائد المناسبات تُبسط لمن يسمّون بكبار الشخصيات وترمى عند براميل القمامة دون أن يأكل منها أحد في تلك المناسبات؟ وكم من طفلٍ يتيم أو أسرة معوزة أو معسرة لا يجدون ملبساً يكسو أجسادهم النحيلة وفرشاً وغطاءً يضمّ بدنهم المتعب المنهَك يحميهم من برد الشتاء؟
وكم من لاجئ ونازح قسَت عليه الظروف ولا يجد مأوىً له ويعيش في العراء؟
وغير ها الكثير من المَشاهد القاسية التي تتعب النفس، ومع كل ذلك ما يزال المسرفون يغدقون الهِبات إسرافاً على الأغنياء وأصحاب الوجاهة والمناصب ولا يعيرون الفقراء إهتماماً بل إجحافاً.
إن الأمر ليس بالهيّن، فعلينا كمجتمع عماني عُهد عنا بأننا مجتمع متماسك متعاضد، وعُرف عنا بأننا أصحاب همة عالية وتكاتف وتعاون وتسامح على كافة الأصعدة المؤسسية والفردية والجماعية أن نراجع أنفسنا وتصرفاتنا وسلوكياتنا وسياساتنا الخاصة والعامة وننظر لِما يحدث من حولنا من أوبئة وأمراض وموت الفجأة وتقلّب الأحوال وما آلت إليه الأحوال من سيّء إلى أسوأ في زمن غلبت على أهله ( شريعة الغاب ) في التعامل مع البشر.
علينا أن نراجع أنفسنا لينجينا الله مما أبتلينا به في هذه الحياة الدنيا.
كلمة أخيرة:
الأسلوب الأرقى والصورة الأجمل في حياتنا بحُسن التدبير والابتعاد عن الإسراف والتبذير والوسطية في الإنفاق للأساسيات والابتعاد عن الكماليات، وأن نربّي الأجيال على تقدير النعمة وشكرها وأن ننشئ الأبناء سلوكياً داخل بيوتنا ومجتمعنا ومساجدنا ومجالسنا ومكتباتنا على حبّ الإنفاق والصدقات والتبرعات في أوجه الخير، وأن نغرس في نفوسهم تعليماً في مناهجنا الدراسية الالتزام بحفظ النّعم وعدم الإسراف وأن لا نحوّل (النعمة) إلى (نقمة) بتصرفات وسلوكيات لا يرضاها ديننا الإسلامي الحنيف.