2024
Adsense
مقالات صحفية

السيطرة الأبوية وبناء النشء

هلال بن حميد بن سيف المقبالي

مما لا شك فيه أنّ دور الوالدين في تكوين شخصية الأبناء من أهم الصعاب التي تواجه الأسرة، مع غياب مساعدات التربية (المجتمع، المسجد، السبلة) “فالأبناء” يحتاجون عناية واهتمام في التعامل معهم لما لهذا التعامل من أثر في بناء شخصيتهم المستقبلية، لذا على الوالدين أن يحرصوا على اختيار أسلوب التعامل الأمثل وطريقة التنشئة الاجتماعية المناسبة لبناء شخصيتهم، و القادرة على التكيف مع المجتمع الذي يعيشون فيه، وهنا يأتي دور السيطرة الأبوية المعتدلة في تعليم الأبناء، و توجيهم للقيم الأخلاقية، والاجتماعية بعيدًا عن التعقيد، وفرض السيطرة المطلقة.

تعتبر السيطرة الأبوية أحد الركائز الأساسية في تربية الأبناء، وحرص الأبوين (الأم والاب) على نشأة أبناءهم تنشئة سليمة، بالتعليم والتوجيه والإرشاد، وحمايتهم من مصادر التأثير التربوية الناتجة عن الانفتاح العالمي و مصادر التكنولوجيا؛ هي غايتهم القصوى في هذا الوضع الراهن الذي تعيشه بعض المجتمعات من فوضى تربوية، فالتربية الآن أصبحت أصعب مما كانت عليه سابقًا؛ حيث أصبحت التكنولوجيا والإنفتاح العالمي (العوملة) هما المسيطران الآن، وفي أغلب المجتمعات. على ضوء هذ الانفتاح و مع قلة الوعي لدى بعض الأبوين أحدهما أوكلاهما ربما يكون وضع التربية أسوء وأسوء؛ حيث يؤثر قصور الوالدين وعدم إلمامهم بالتكنولوجيا وجوانب العولمة على طريقة التعامل مع الأبناء؛ لذا يجب أن يكون وعي الوالدين حاضرًا وعندهم الإلمام بمصادر التأثير الخارجية، وكيفية التعامل معها، والاستفادة من الجوانب الإيجابية فيها والتقليل من سلبياتها، هي أهم الاولويات في تربية الأبناء.

يرى اختصاصيو مجال التربية وعلم الاجتماع أن”العولمة” أفرزت مفاهيم جديدة على مجتمعاتنا وأحدثت خللًا في دور الوالدين، و تراجع سلطتهما، ويرون أن تراجع هذه السلطة بسبب التنوع في مصادر التأثير والتلقي الخارجي الناتج من الانفتاح والتسارع التكنولوجي، مما جعل بعض أولياء الأمور عاجزين عن السيطرة على تفكير وتصرفات أبنائهم في كثير من الأحيان، وخاصة خارج نطاق الأسرة، حيث أصبحوا منقادين في تلقي التعليمات والقيم من تكنولوجيا العصر المتقدمة، أو من تقليد بعض تصرفات زملائهم والتي اكتسبوها أيضًا من هذا الانفتاح. التنوع الذي تحمله “العولمة” يأتي إلينا بما هو إيجابي وما هو سلبي، وهنا يأتي دور الوالدين وسيطرتهم في مراقبة الأبناء، لمنع تأثيرات “العولمة” السلبية، و هنا يجب عليهم تفعيل الحوار ومبادئ الشورى داخل الأسرة، وإقناع الأبناء بالخطأ إن وجد وتنبيههم عنه مع توضيح السبب، و قد سمعنا ونحن صغارًا عبارات تتردد على أفواه الجميع مثل: “لاعبه سبعًا، وأدبه سبعًا، وصاحبه دهرًا” ، “وإذا كبر ولدك خاويه” كلها رسائل تدل على مراحل التربية السليمة، وهذا ما نحاول أن نفعله مع أبنائنا قدر المستطاع، كما أن الإسلام كان الموجه الأكبر للسيطرة الأبوية “المعتدلة” حيث جاء: علموا أبناءكم الصلاة صغارًا و أمروهم بأدائها لسبع سنين، و أضربوهم عليها لعشر سنين، و فرقوا بينهم في المضاجع، هذه هي النشأة المعتدلة، وفي المقابل أيضًا من الخطأ أن تفرض عليهم ميولاً معينًا، أو تجبرهم على شي بعينه؛ بل من الأفضل تركهم يستكشفون شغفهم في الحياة مع مراقبتهم وتوجيهم، ودعمهم في اختياراتهم السليمة دون إجبارهم على فعل شيء معين.
هي حياتهم يعيشونها بأنفسهم، وليست الحياة التي نريدها لهم، أو الحياة التي نريد أن نحياها عن طريقهم.

هل ستظل السيطرة الأبوية قائمة؟
وهل للسيطرة الأبوية أضرارها المستقبلية على النشء؟
هذان السؤالين يفرضان واقعهما الأبدي، فالإجابة عليهما مفتوحة؛ أما جوابهما من وجهة نظري: نعم السيطرة الأبوية المعتدلة لابد أن تستمر وتؤدي دورها في تربية النشء كي يظهر جيل مستقيم متحلي بالأخلاق والقيم، أما أضرار السيطرة الأبوية فتشير الدراسات إلى أن السيطرة الأبوية المعتدلة هي سليمة المظهر، أما السيطرة الأبوية المطلقة “الشديدة” و المراقبة المستمرة لأولياء الأمور على أبنائهم لها بعض الآثار الضارة، والتي تتركها سيطرة الآباء في نفوس أبنائهم؛ حيث يؤثر ذلك على نفسية الأبناء، وهذا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمشاكل العلاقات الاجتماعية والمجتمعية، ومستويات التحصيل التعليمي، وربما يصل الأمر إلى طلب العلاج النفسي، أو الخوض في مشاكل سلوكية مغايرة لما يريده الآباء، حيث تسوء المشاكل مع مرور الوقت.

إنّ توجيه الأبناء وتربيتهم تربية سليمة و بناء شخصيتهم بغرس القيم الأخلاقية والاجتماعية والدينية ليس بالعملية السهلة، و هو المطلب الأسمى الذى لا بد منه، والذي تسعى إليه جميع الأسر. تأتي السيطرة الأبوية “المعتدلة” هي الوسيلة لتحقيق ذلك مع المراعاة في العدالة دون تمييز بين الأبناء؛ كي لا يخلق جو سلبي في التربية، و زرع الرقابة الذاتية و تفعيلها عند الأبناء، مع التوجيه و التنبيه، وتبصيرهم فيما يحدث حولهم، وتوعيتهم، وإمدادهم بأسباب القوّة والصلابة النفسية والثبات، والتحدّث إليهم بلطف، واستخدام الألفاظ الحَسَنة الجيّدة، وتعلُّم كيفيّة حل المشاكل الأسرية، و في الوقت نفسه يجب على الأبناء إظهار حسن التصرف وتحمل المسؤولية أمام الوالدين لبناء جسوراً من الثقة معهما، مما يتيح لهم الفرصة في اتخاذ القرار واختيار ما هو مفيد لهم؛ ليتمكنوا من التمييز بين ما هو نافع وما هو ضار لهم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights