بئر لجِّي
الزهراء بنت عزان الخروصية
الثانية عشر بؤسًا بعد منتصف الكآبة!
تميع المشاهد أمام عيني، فتمتزج الأشكال بغرابة تجبر عيني على الانغلاق بقوة صارمة لا مجال للرحمة فيها.
ينطبق جفناي بقوة مؤلمة، لينطبق الصمت والظلام معهما أيضًا مع آخر دقة من دقات الساعة المخيفة.
أخيرًا أفتح عيناي بعد معاناة، ولكن لا مشاهد غير الظلام المطبق!
أحاول اكتشاف ما حولي بما تبقى من حواس فعَّالة، أتراجع نصف خطوة حذرة ليهوي قلبي في عمق سحيق للغاية، وأهوي معه بلا نفس!
عمق بعيد من الماء المظلم بلا نفس، أختنق ثم أزداد اختناقًا.
أحاول السباحة للأعلى ولكن جاذبية هذا البئر أقوى من كل قواي! ومهما فتحت عيناي متلمسًا مخرجًا ما كان الظلام والماء سلاحين فتاكين عليهما.
بعد صراعٍ يائس في هذه الظلمات أخيرًا عيناي تستشعران ضوءًا ضعيفًا من الأعلى، أحاول جاهدًا الوصول إليه ولكن أضواءً أخرى تنبثق من جوانب جدران هذه البئر، تضيء متلهفة لانتشالي من هذه الكربات.
أجدف بكل نفس ثمين من روحي متجهًا لأقرب ملجئٍ منها، أصل إليه وأحتمي به من الظلمات والاختناق والكربات، أحتمي فيه من كل خوف وظلمة وظلام… ولكن ما يلبث ذلك الهواء العذب أن ينفد! أشعر بالاختناق يغزوا أعضاء جسدي باستمتاع مؤلم يجبرني على العودة بأسرع ما يمكن لمياه ذلك البئر اللجِّي، محاولًا قذف نفسي في أقرب غار نورٍ ممكن… وتستمر المحاولات وتتوالى بيأس عظيم.
أخيرًا أجد أن لا مفر لي من محاولة السباحة نحو الأعلى وانتشال نفسي من تلك الظلمات. أقذف جسدي بتردد نحو الموت، أجدف بقوة متعبة تحاول جاهدة التغلب على جاذبية البئر المدمرة… صراع شديد بين كل خلية وخلية في جسدي، هذه تستسلم للجاذبية المهلكة، وتلك تتوق لبصيص النور في الأعلى بكل أمل تبقى لديها. تتخبط أنفاسي بين جزيئات الماء، وتصارع قدماي ويداي الماء بكل قوة متبقية، بينما يبقيني الأمل اللطيف على مستوى واحد من الارتفاع بعيدًا جدًا عن القاع، ولكن دون علو للأعلى.
انتهت الأنفاس، وتخدرت تلك الأطراف لتستسلم رويدًا رويدًا للموت المريح… يد واحدة فقط تبقت في الأعلى حامية شظايا الأمل المتناثرة، وفجأة تقبض يد مجهولة عليها بقوة عظيمة فتنتشلني بسرعة من تلك الظلمات إلى النور معيدة إياي إلى مكاني الأول وأستيقظ على صوت هاتفي بجواري.
يدي ممسكة بقوة بالمصحف!
أجيب على الهاتف: “أي بني عد، فقد رضيت نفسي عنك، ولم يطاوعني النوم إلا وعيناي قد قرتا برؤيتك عندي فهلم عائدًا لأبيك”. أشكر الله، وأحمل مصحفي عائدًا إلى البيت براحة هنيئة، ولساني يلهج باسم الله حامدًا وشاكرًا.