ذَبـّكم عن حـِيـَاضِ الوطن أمانة
خميس بن محسن بن سالم البادي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أطيبَك من بلدٍ، وما أحبَّك إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنتُ غيرَك) رواه الترمذي.
كلمات نبوية شريفة قالها الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم – وهو يودِّع وطنه(مكة)، وإنها كلمات تكشف عن حبٍّ عميق، وتعلُّق كبير في الذات البشرية بالوطن الذي تتبعه انتماءات مختلفة منها الشعور بالأمن والاستقرار والمجتمع العائلي والهوية الوطنية بأنواعها والعادات والتقاليد والحضارة والتراث وغيرها.
قبل يومين كنت قاصداً ولاية صحار لبعض المآرب لي هناك وفي زحمة المرور أسفل الجسر، وأنا أنتظر الدور كغيري في العبور المنظم من خلال إشارات المرور الضوئية، كنت أناظر معالم أسفل الجسر بشكلها الهندسي الجميل مثله كبقية المنجزات التي تزخر بها عموم ولايات السلطنة التي سُخّرت لها الأموال والجهود حتى صارت كما هي عليه خدمةً للمواطن وتطويراً للبلاد، حينها تذكرت ذلك التجمع السلمي الشبابي الذي حدث في شهر مايو الماضي الذي شهدته الولاية وبعض ولايات السلطنة من تجمعات في بعض الساحات والميادين العامة، مطالبين باتخاذ ما وصفوها ببعض الإصلاحات وبإيجاد وظائف لهم وهو حقهم المشروع لا ريب في ذلك، وتجمعهم السلمي وتعبيرهم عما لديهم كفله القانون لهم أيضاً، شريطة النأي بأنفسهم عن أية إساءة أو تجريح أو شخصنة لأي كان، وتجنبهم كل ما يجرمه القانون في ذلك من تعدي على الأملاك العامة والخاصة وكل ما من شأنه تعطيل مصالح الآخرين سواء بسد وإغلاق الطرق أو غيرها من الوسائل والأفعال التي يعاقب عليها القانون، بما في ذلك التعدي على الموظفين العموميين بمختلف انتماءاتهم ودرجاتهم الوظيفية، الضوء الأخضر لإشارة المرور قطع عليّ ما كان يدور في الخلد مما شهدته ولايات السلطنة وسرعة تجاوب جلالة السلطان- حفظه الله- مع مطالب أبنائه رغم بعض المنغصات التي شابت تلكم التجمعات السلمية والتي صدرت عن فئة كادت أن تفسد على الحضور سبب حضورهم وتجمعهم السلمي، وحيث أني أحد شهود العيان على الكثير من مراحل بناء هذا الوطن وتطويره والسعي الحثيث بالارتقاء بأبنائه الأوفياء الكرام منذ قيام النهضة الحديثة التي قادها الراحل جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور آل سعيد- رحمه الله تعالى وأسكنه الجنة- فقد آثرت بتوجيه كلمة صادقة إلى أبنائنا الشباب أبناء هذا الوطن المعطاء.
فيا أيها الأبناء،،، إنه ورغم انقضاء الحدث على خير وسلام ولله الحمد والمنة ، والجميع يعلم يومها أنكم خرجتم من مساكنكم تاركين وراءكم إخوه، وربما أبناء لبعضكم وقبلهم أبوين واجب عليكما البر بهما وعدم التنغيص عليهما، خرجتم مطالبين بحقوقكم المشروعة مستندين لا جدال في ذلك على ما كفله المشرع العماني لكم، واعتصمتم سلمياً في الساحات بانتظار ما سيتخذ في شأن مطالباتكم وهذا مكفولٌ لكم كذلك قانوناً، ومع تقدير الجميع لما سعيتم إلى الحصول عليه من حق واجب لكم من الدولة، للأسف رأينا بعضكم وقد انجر وراء الشواذ من بينكم الذين سعوا إلى إشاعة الفتن والفوضى وإثارة القلاقل، فغرتهم حينها عصبتهم التي رءوا أنفسهم عليها من منظور القوي ظناً منهم أن عصبتهم (الواهية) ستعصمهم بذلك من أفعالهم المحرمة شرعاً والمجرمة قانوناً والمرفوضة عرفياً ومجتمعياً، فما كانت تلكم إلا عصبة باطل زاهقة حصحصها الحق الساطع، بل كادت أن تنغص عليكم مطالبكم المشروعة التي جئتم مسالمين لأجلها ومطالبين بها وذلك بالإساءة إلى بلدكم وبلدهم ومنجزاته ومقدّراته، فكان حرياً بكم أن تكونوا عوناً وسنداً لإخوانكم وأبناء وطنكم من رجال الأمن ومساعدتهم مباشرةً ومنذ اللحظات الأولى بلفظ كل من حاول الإفساد في الأرض من بينكم حتى لا يكون له موطئ قدم لتعكير صفو مطالبكم السلمية، واعلموا جيداً أن رجال الأمن والقوات المسلحة ليسوا هم المعنيون بحماية الوطن والذب عن حياضه فحسب، بل أنتم كأبناء لهذا البلد الغالي وبمختلف فئاتكم يجب أن يمثّل كل منكم دور الحارس الأمين على كل شبر من أرضه وما عليه من ممتلكات سواء العامة منها أو الخاصة، فهي أولاً وأخيراً وجدت لأجلنا جميعاً وهي أمانة لديكم وأمر حتمي لا يمكن لأي غيور على وطنه التنصل من هذه الأمانة الغالية، وأن صونها وحمايتها أمراً لا مناص ولا حياد عنه ولا يختلف عليه اثنين أبداً وذلك كله لأجل عُمان ومنجزاتها ومكتسباتها، وعليكم التمييز بين الوطن وخادم الوطن والمواطن المسمى المسؤول الذي تم ويتم تكليفه بالخدمة العامة في الدولة، والذي لا يجب أن نصنع منه فرعوناً(كما عنون بذلك كاتبنا القدير الأستاذ سالم بن نجيم البادي في مقال له تضمن مدى تبجيل المسؤول والاهتمام به عند أي زيارة عمل رسمية يقوم بها ما يجعل منه فرعوناً لدى العامة وصغار الموظفين والمسؤولين)، فالوطن بما أنجز على أرضه من تطور لأجلكم ولمن يأتي من بعدكم وهو باقٍ ما دامت السماوات والأرض، نتوارث البقاء على ترابه إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، بينما ذلك الموظف المسؤول مهما علت درجته فهو زائل إما بانقضاء أجله أو بانتهاء مدة خدمته وهو حينها سيكون بما اكتسب رهين ليأتي آخر مكانه، وبذلك إياكم ثم إياكم التفريط في أمانة المحافظة على وطنكم ومكتسباته ومنجزاته التي سُخّرَت لأجلها حيوات من أبنائه المخلصين لم يدركها الكثير منكم، حتى إذا ما عدتم إلى أجدادكم وآبائكم ستعلمون حينها كيف هي حياتهم وعيشتهم كانت، وكيف هي اليوم وما وصلت إليه عُمان وأنجز على ترابها الطاهر، والذي كان في مقدمتهم سلطانها الراحل رحمه الله تعالى وغفر له وجعل مأواه الجنة، الذي سخّر جل حياته لعُمان وأبنائها دون سواهما حتى استرد الله أمانته حيث وافاه الأجل الذي هو مسلكنا جميعاً، واعلموا علم اليقين أن الوطن غالياً علينا جميعاً، ولكم أن تنظروا إلى البلدان التي تعاني ويلات الحروب أو تلك التي تتقاذفها الاضطرابات السياسية والأمنية كيف يعاني مواطنيها،- حفظ الله عُمان وأهلها والمسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها-، وعليكم أن تعلموا أنه حين شاء الله سبحانه وتعالى أن يكون إعصار ما عرف (بجونو) قبل عقد ونيف من الزمان على عُمان فقد ذرف آبائكم وأجدادكم الدموع كمداً على ما تعرضت له منجزات الوطن من خراب، فتلكم دموع سالت لأجل عُمان نتيجة ضرر حدث بإرادة ربانية أرادها الله لنا، وهو الذي جلت قدرته لا يريد بعبده إلا خيراً ولو احتسب المرء ذلك شراً فلعل من ذلك الإعصار نبأً إلاهي لنا عن أمر ما، ورغم إيماننا المطلق بالقدر خيره وشره فقد بكينا حزناً على ما ألـمّ بهذا الوطن الغالي، فكيف ومن بينكم اليوم وجدنا من سعى إلى الإفساد في أرض وطنكم بعد إصلاحها عن ذي قصد وتعمّد، ألا يحق لنا أن نقف ضده وبحزم وقد صار بعمله بيننا من القالين، حيث قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في الآية(206) من سورة الأعراف { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} صدق الله العظيم، ولذلك نقول لكم حافظوا على بلدكم واجعلوا منه وطناً شامخاً زاهراً بين الأمم، بل وكونوا عند حسن ظن نبيكم المصطفى صلى الله عليه وسلم بكم حين وصف أهل عُمان بنبل الأخلاق وحسن الصفات بقوله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: (لو أن أهل عُمان أتيت ما سبوك وما ضربوك) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا شرف نبوي لنا جميعاً علينا أن نترجمه على واقع حياتنا تجاه بعضنا ومع الآخرين، ولتحافظوا على نسيج لحمتكم الوطنية معتصمين بحبل الله القوي المتين لتكون عصمتكم بذلك صياصٍ منيعة في ظل وجود أعداء من حولنا بنا متربصين ومن بيننا بضع نفر من صغار الألباب مرجفين، واجتنبوا النزاع فيما بينكم كي لا تفشلوا وتذهب ريحكم سدى، وأسفاً على أولئك الذين أثاروا الفوضى من بينكم أولم يعلموا أن الأوطان تفتدى بالدماء والأنفس دفاعاً عن ترابها ومنجزاتها ومكتسباتها وأهلها، ألم يتفكروا في أمهاتهم نتيجة أفعالهم النزقة وتصرفاتهم الرعناء الطائشة ضد وطنهم ومجتمعهم وقد ذرفن دموع الحزن عليهم حين توارواْ خلف القضبان نظير ما أتوا به من فعل مخالفاً للقانون أو أي قريب لهم يهتم بأمرهم وقد تسببوا بانفطار قلبه، إنكم ولله الحمد تنعمون بأمن واستقرار وهو الداعم الأساسي إلى ما تتطلعون إليه من الحصول على كافة حقوقكم المشروعة وتحقيق آمالكم من غير فوضى أو فتن وإفساد، فاشكروا ربكم واسجدوا له وأنتم تنعمون بحرية التعبير عن الرأي التي كفلها لكم القانون في وقت يتطلع فيه آخرين من دول أخرى بالحظوة ولو بجزء يسير مما منحتم إياه في هذا الجانب.
وأنتم يا أولياء الأمور أوصيكم ونفسي أولاً أن على عاتقنا أمانة نحملها في أعناقنا لتوجيه أبنائنا الوجهة الحقة نحو وطنهم وانتمائهم إليه وحبهم له وغيرتهم على كل ما قد يفسد مكتسباته ومنجزاته ومقدراته أو التعدي عليه أو يزعزع من أمنه واستقراره- لا سمح الله ولا قدّر-، كما وعليهم أن يعوا أن حماة هذا الوطن منهم وإليهم ولهم من بينهم أقارب لا ريب في ذلك وأنهم ليسوا أداة قمع وقبض وتنكيل إنما واجبهم الوطني قد فوضهم في ضبط الأمن والسيطرة على بسط استتبابه لينعم الجميع على هذه الأرض المباركة بالسلم والأمان، وبذلك رسخوا في أذهانهم أنه لا يحق لهم التعدي عليهم أو تعطيل مهام عملهم تحت أي ظرف من الظروف فهم وجدوا لحماية الوطن وحمايتهم أيضاً، فأنتم ونحن نعي تماماً الجهود التي جعلت من عُمان بلداً وقد حظي بهذه المنجزات والمكتسبات العظيمة على مدى نصف قرن من الزمن، حيث أُوْجِدت من العدم بجهودنا وجهود من سبقونا جميعاً ومن مالنا العام، فقد مضينا مشمّرين عن سواعد العمل بجد واجتهاد خلف قائد المسيرة المظفرة جلالة السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله تعالى ويسّر حسابه ويمّن كتابه- وفي ظروف نعلم جميعاً حقيقة صعوبتها في تلكم الحقبة من الزمن، مضينا نبني عُمان من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها كلاً في مجاله واختصاصه، الأمر الذي يحتم علينا اليوم توجيه الأبناء والأحفاد بأهمية وضرورة صون هذه المنجزات والمحافظة عليها لتبقى لعُمان وشعبها الوفي كما نريد جميعاً أن تكون لؤلؤة مضيئة بين الأمم، بل وعليهم تكملة المسيرة الوطنية الظافرة بهممهم العالية من منطلق انتمائهم الوطني بالسير خلف القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله ورعاه- لإضافة المزيد من النمو والتطوير والعمران في بقاع مختلفة من سلطنتنا الغالية على قلوبنا جميعاً، كما أجدها سانحة طيبة لأدعو عبر هذا السياق وزارة التربية والتعليم النظر الفوري في زيادة جرعة الإنتماء الوطني من خلال المناهج الدراسية لكافة المراحل التعليمية..
رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات، ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيء لنا من أمرنا رشداً، اللهم واجعل عُماننا آمنةً مطمئنة سخاءً رخاءً يأتيها رزقها رغداً، اللهم استودعناك عُمان برها وبحرها وجوها، اللهم اغمرنا بالخير والرحمة واحفظنا وبلدنا بحفظك على الدوام.