الإلتزام الوظيفي زمن كورونا
د. رضيه بنت سليمان الحبسية
استاذ مساعد بقسم التربية والدراسات الإنسانية
كلية العلوم والآداب- جامعة نزوى
RadhiyaAlhabsi@gmail.com
إنّ الاضطرابات التي تشهدها بيئات العمل في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد(كوفيد19)، تربك المديرين التنفيذيين بدرجة كبيرة، خاصة فيما يتعلق بمسؤولية تحقيق التّوزان بين جودة العمل، والرضا الوظيفي لدى العاملين. فإنْ كانت مسؤوليات أولئك المديرون في ظل ظروف اليقين ليست باليسيرة، ففي ظل حالات القلق تكون مضاعفة. ولتخطي الظروف الراهنة بما لا يُنتج آثارًا يصعب التعامل معها مستقبلًا، فإنّ على كلا الأطراف الاستجابة السريعة للواقع الراهن، وتكاتف الجهود للعبور الآمن.
ومما لا يمكن الرّهان عليه في أوج هذه الأزمة هو الإلتزام الوظيفي، ففي الوقت الذي نجد فيه ضرورة العمل بفعالية تتمثل في وقت أقصر، وجهد أقل، فإنّ غالبية الممارسات الحالية، تُشير إلى خلاف ذلك. حيث أصبحت إجراءات تقليل دوام الموظفين إلى نسبة 50%، شماعةً يُعلّق عليها الكثيرون قصور أدائهم لمهامهم الوظيفية. وعلى الرغم من أن حراك مجتمعات اليوم عالميًّا، تتجه نحو أتمتة الوظائف، وتفعيل التقانة الرقمية في إنجاز المهام، وهو مطلب وضرورة عصريّة، إلا أنّ واقع كثير من بيئات العمل، يتسم موظفوها بالقصور المهاري، والقيمي، والمعرفي أيضا.
وفي الكفة الثانية، لا نجد إلتزام البعض في قيامهم بأنشطتهم خلال ساعات الدوام الرسمي أمرًا ملموسًا، أو درجة إنتاجيتهم ترقى لمواكبة العصر الرقمي والتقني، بل يعولون فشل تعاطيهم مع معطيات هذا العصر في البعد الجغرافي عن مواقع عملهم. ناهيك عن اعتباره حقًا مشروعًا لهم لقضاء أوقاتهم ومصالحهم الخاصة فترة دوامهم عن بعد؛ لغياب الفكر المهني القائم على تغيير أوعية العمل لا اختصاصاته وواجباته، والتي يمكن تفعيلها بأساليب لا تشترط التواجد في مساحة جغرافية واحدة، أو العمل وجهًا لوجه.
هنا يتطلب على القائمين على إدارة الموارد البشرية تفعيل مبدأ المحاسبية والحوكمة الإدارية على مستوى المؤسسة بأكملها، خاصة في المؤسسات الخدمية، التي يتساوى فيها المجيد مع المقصر، الملتزم بالمتهاون. كما يتوجب على مسؤولي برامج التدريب والإنماء المهني بناء برامج متنوعة وفاعلة؛ لنشر الوعي بمبادئ العمل وقيمه وأخلاقياته، والتركيز على برامج تنمية المهارات لاستخدام البرامج الإلكترونية، والتفاعلية منها خاصة؛ نظرًا للحاجة الحتميّة لامتلاك موظفي القرن الحادي والعشرين لها، فضلًا عن الحاجة الملحة لها في ظل الظروف الاستثنائية الحالية.
إنّ خلخلة القيم الوظيفية التي باتت تظهر بين صفوف بعض الموظفين من ذوي الخبرة، يمثل أزمة حقيقية لا يمكن تجاهلها، أو تخطيها باعتبارها أزمة عابرة. والأمر لا يقل خطورة بالنسبة للموظفين الجدد، الذين يستقون الخبرات والمهارات واكتساب الكثير من بواطن الاتجاهات ممن سبقوهم في مجال العمل. فإنْ لم تكن تلك القدوات بالدرجة التي تضمن صلاح مواقع العمل، وتوارث أسمى القيم، فإنّ الأداء المهني سيأخذ منحى لا يُحمد عقباه، ما لم يتم استشراف مستقبل العمل في كافة قطاعاته العامة والخاصة، وبالتالي سرعة الاستجابة للتغيرات العالمية والتحول بمنسوبي تلك القطاعات إلى عاملين معارف، يمتلكون أدوات العصر، وبقيم تتناسب مع طبيعته الرقمية.
ختامًا: إنّ المسؤولية الوظيفية، والأمانة المهنية، لا يختلف عليها اثنان، ولا تقبل القسمة على اثنين. حيث ترتبط بقيمة أخرى تتمثل في الإخلاص، والوفاء بمواثيق وعهود، تتطلب الإلتزام الوظيفي سرًا وجهرًا، علنًا وخفيةً. فلا يمكن التّكهن بفاعلية الرقابة البشرية، أو المراقبة التقنية، مقابل محاسبة الضمير للسلوك الذاتي، وربط الأجر المادي بقضية الكسب المستحق، والبركة في الرزق. قال تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (القرآن الكريم، التوبة: 105)