أحمد بن موسى البلوشي
صادفته في مكتبة لبيع الأدوات القرطاسية، وقد اشترى مجموعة من الكتب والملزمات ذات العناوين المختلفة، ولمواد عديدة، فسألته؟ لماذا كُلّ هذا؟ فقال: أنا طالب في الصف الثاني عشر يا أستاذ، ويجب أن أستعد جيدًا للاختبارات، رغم أنّني تعبتُ من كثرة الكتب، والمذكرات الدراسية، ومن كثرة حل الأسئلة، ثم ضحك ساخرا من وضعه، وقال: هذا عدا عن الدروس الخصوصية التي أدرسها في أربع مواد!
والسؤال الذي أطرحه على ولي الأمر، وأدعوه للتفكر فيه، هل هذا الوضع الذي يعيشه الطالب، وضع صحيّ؟ وهل هذه هي الطريقة الصحيحة في المذاكرة؟، وهل هذه الكتب والملزمات مفيدة؟ وتقدم المحتوى المطلوب؟، وهل تتوقع بعد هذا كله أن يحصل ابنك على معدل مرتفع تفتخر به؟، كلّنا نعرف حجم المعاناة التي يعانيها طالب الصف الثاني عشر، والمعاناة التي يعانيها الوالدان كذلك، بحكم أن هذه المرحلة هي مرحلة مصيرية في حياة الطالب حيث يتهيأ فيها لمرحلة تعليمية جديدة ومسارات مهنية مختلفة؛ لذلك يرغب في الحصول على أعلى معدل يُمكنه من تكملة مشواره التعليمي الذي كان يحلم به ويتمناه منذ صغره.
عزيزي ولي الأمر عندما يكون ابنك في هذه المرحلة يجب أن تكون أنت الموجه والناصح له، وإن كنت لا تعرف شيئا فلا عيب أنْ تسال وتستفسر، ولا تترك ابنك يصارع وحيدا في خضم هذه الدروس الخصوصية وهذه الكتب والملزمات بنفسه، فأغلب هذه الكتب متشابه في المحتوى وتختلف في طريقة العرض، وأغلبها يتناقل أسئلة امتحانات سابقة يستطيع الطالب الحصول عليها وبسهولة من البوابة التعليمية، وأسئلة منقولة في أغلب الأحيان من المواقع الالكترونية، وبعضها لمناهج دول أخرى تختلف طريقة عرضهم وحلهم لهذه الأسئلة، وليس شرطا أن يحل ابنك 20 نموذجا من الأسئلة، فالهدف منها هو أن يتعود الطالب على الورقة الامتحانية وطريقة عرض الأسئلة وأفكارها.
كما أنّ بعض هذه الكتب والملزمات تعرض أسئلة ونماذج إجابة بطريقة خاطئة ستؤثر على فهم ابنك للمعلومات، والبعض منها يعرض أسئلة لدروس حذفت، ومناهج تم استبدالها، لأنّ أصحاب هذه الكتب هدفهم الربح المالي وهذا حق من حقوقهم، ولكن أنت كولي أمر يجب عليك أن تتفحص وتستفسر عن ما هو مفيد وصالح لابنك، ومنذ فترة وجيزة سألني طالب عن طريقة حل سؤال تم عرضه في أحد هذه الكتب، فقلت له اسال معلمك بالمدرسة؛ فقال: لم يعرف الحل، وفي النهاية تبين أنّ السؤال خاطئ والمعلومات الواردة به لا تمكنك من حلّ السؤال، ونفس هذا السؤال صادفته في أكثر من كتاب، والاختلاف هنا فقط في اسم الكتاب.
فهل من المنطق والعقل أن يقوم الطالب بمراجعة وحل أكثر من ملزمة لكل مادة، ولديه كذلك دروس خصوصية، والبعض من هذه الدروس يكون خارج االمنزل مما يسبب ضغط نفسي وبدنيا عليه، فأي عقل بشري يمكنه التجاوب مع كل هذا الزحم من المعلومات الذي يكون مردوده سلبيا على الطالب في النهاية. فهي أصبحت عبئا ماديا على ولي الأمر، وعبئا ذهنيا على الطالب وليس وسيلة للنجاح.
وأخيرا إنّ المذاكرة: “عملية عقلية يقوم بها الطالب، لحفظ أو فهم موضوع معين، حيث إنّ المذاكرة هي فن، وذلك بسبب إبداع وبراعة الطالب خلال القيام بها”، ونضع تحت كلمة فن ألف خط، ولا توجد طريقة مذاكرة واحدة تصلح للجميع، وكما أنّه لكل فن فنان، فإنّ لكل طالب طريقة مذاكرة خاصّة به تتناسب معه ومع قدراته العقلية، واستعداده النفسي، فرفقا بأبنائكم، وكونوا عونا لهم لكي يجتازوا هذه المرحلة في هدوء وسلام.
