الدعوى المدنية التبعية
ظافر بن عبدالله الحارثي
خلافًا عن الأصل واستثناءً عن القاعدة، قد تنظر الدعوى المدنية أمام المحاكم الجزائية عوضًا عن نظرها أمام المحاكم المدنية؛ بناءًا على ما سبق يمكنكم الاستنتاج بأنني في صدد الحديث عن الدعوى المدنية التبعية التي يكون سببها الرئيس هو الدعوى الجزائية، وبالتالي من منطلق مبدأ العدالة الناجزة وما تقتضيه المصلحة العامة المتمثلة في سلاسة سير عملية التقاضي وسرعة الفصل فيها، وبسبب المصلحة الخاصة المعنية بأطراف النزاع، من المنطق أن تُمكن المحاكم الجزائية بالنظر في هذه الدعوى.
إذًا قبل الخوض في تفاصيل هذه الدعوى يجب أن نتفق أنه لا يمكن رفع دعوى مدنية استقلالاً أمام محكمة جزائية دون تبعيتها للدعوى الجزائية، ومن ذلك تتضح لنا معالم خصائص هذه الدعوى المتمثلة في: أ/ سببها الضرر المباشر الناشئ عن الجريمة الجزائية، ب/ تدور موضوعها حول التعويض عن ذلك الضرر، ج/ تختص بها المحكمة الجزائية، و د/ للحكم الجنائي الصادر فيها حجية فيما فصل فيها، فضلاً عن خضوع هذه الدعوى لقانون الاجراءات الجزائية إلا في حال خلوه من نص، إذ حينها ترجع لقانون الاجراءات المدنية؛ والجدير بالإشارة إلى أن هذه الدعوى يحق رفعها في أي مرحلة تكون عليها الدعوى قبل إقفال باب المرافعة.
تشكل المادة (٢٠) من قانون الاجراءات الجزائية الأساس القانوني لهذه الدعوى والتي نصت بأنه “لكل من أصابه ضرر شخصي مباشر بسبب الجريمة أن يرفع دعوى بحقه المدني أمام المحكمة التي تنظر الدعوى العمومية في أية حالة كانت عليها إلى أن يقفل باب المرافعة بوصفه مدعياً منضماً في الدعوى العمومية، وذلك بعد سداد الرسوم المقررة…”، ومن ذلك يتضح بأن حتى تصح ولاية المحكمة الجزائية على هذه الدعوى لابد أن تقع جريمة يعاقب عليها القانون، وينتج عنها ضرر للغير بحيث أنه يكون ( ناشئ عن الجريمة، وتسبب بضرر شخصي مباشر، ويربطهما علاقة سببية، سواء أكان الضرر فعلي أو محقق الوجود)، وأخيرًا بداهة أن تكون الدعويين (الجنائية) ولاحقًا (المدنية) مقبولتين.
هذه الدعوى المدنية التبعية تنقضي بإنقضاء الدعوى الجنائية ما لم يكن إنقضاء الدعوى الجنائية لسبب من الأسباب الخاصة بها، أما عن أطراف هذه الدعوى فتتكون من المدعى المدني (وهو من لحقه ضرر شخصي مباشر)، المتهم (المدعى عليه)، وقد يُدخل المسؤول عن الحق المدني على إعتبار أنه هو الذي سوف ينفذ ما يخلص إليه الحكم من تعويض.
يسقط حق المدعي لإقامة هذه الدعوى في حالات معينة وهي( عند فصل الدعويين بحكم واحد، وعند خضوع الدعوى التبعية لأحكام قانون الاجراءات الجزائية، وحال ترك الدعوى المدنية وأثره، وفي حال انقضاء الدعوى الجزائية وأثره على الدعوى المدنية، وأخيراً في حال صدور حكم البراءة)، على أن من الضروري التنويه أنه عند الحكم بالإدانة فإنه يجوز للمحكمة أن تقضي برفض الدعوى المدنية على أساس لا تلازم بين العقوبة والتعويض، أما في حالة البراءة من حقها أن يظل الحكم على الدعوى المدنية قائماً ومتوقفًا في ذلك على أسباب حكم البراءة.
وإذا كنا نعتبر أن هذه الدعوى تعد خروجًا عن القواعد العامة، فإن هناك ما يسمى بالإدعاء المباشر وهو الآخر كذلك يعد في حكم مما يخرج عن الأصل على أساس فكرته القائمة على أن القانون هو من أجاز لمن لحقه ضرر من الجريمة جراء امتناع الموظف المختص عن تنفيذ الأحكام القضائية له- أن يرفع دعواه المدنية أمام المحكمة المختصة بنظر الدعوى الجنائية، وبالتالي يرتب ذلك تحريك الدعوى الجزائية، وكذلك أيضاً هناك جرائم ترفع بغير طريق الادعاء العام (كحال جرائم الجلسات وجرائم التصدي)؛ وفي النهاية نخلص إلى القول بأن وبالرغم من تلك القواعد العامة التي تميل في ماهيتها لتلك القواعد التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها بل أن الجزاء المترتب لمخالفتها هو البطلان، إلا أنها لا تخلو هي الأخرى من المرونة الموزونة التي تستمد قوتها من النصوص التشريعية متى ما كُيّف استخدمها في مصلحة الإنسان.