وفاة العالم الدكتور أسامة شفيع السيَّد
د .علي زين العابدين الحسيني
بمزيدٍ من الحزن والأسى تلقيتُ صباح يوم السبت 8 مايو 2021م خبر وفاة فضيلة الدكتور الشاب العبقريّ البحاثة أسامة شفيع السيد أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم بالقاهرة، وهو من جيل الشباب العلماء الروّاد الذين كان يرجى منهم تزويد الحقل المعرفي بمزيدٍ من الدراسات الإسلامية المتميزة.
كان الفقيد محطّ أنظار العلماء والأساتذة لما تميّز به عن غيره في حقل الدراسات الإسلامية، إضافة إلى تعدد مواهبه المختلفة، فكان شاعراً، وناثراً، ومتصوفاً، وكاتباً، ومترجماً، على صلةٍ وثيقةٍ بعلماء الغرب الذين يكتبون في الدراسات الإسلامية، واطّلاع تام على الثقافة الغربية، ويعدّ مرجعاً في عدة أبواب معرفية، فكانت وفاته فاجعة لأرباب الدراسات الشرعية.
ينتمي المرحوم لأسرةٍ معرفية عريقة، فوالده الأستاذ الدكتور المجمعي محمد شفيع الدين السيد عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، والناقد الأدبي الكبير، والأستاذ الأكاديمي بجامعة القاهرة، ويعمل الآن أستاذاً متفرغاً في الدراسات النقدية والبلاغية بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة، وفي هذا البيت المعرفي تعرف على كثير من العلماء وأساتذة العلم منذ وقت مبكر.
توفي فقيد العلم عن عمر ناهز 46 عاماً متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، وكان آخر ما كتبه بحسابه على الفيس بوك:
“وفي الجسم تكسير وللشَّمِّ عُزلة وليس إلى ذوق الطعام سبيل”
ولد الدكتور أسامة في الأول من شهر نوفمبر سنة 1975م، وتلقى تعليمه الأساسي في المدارس، ثم التحق بكلية دار العلوم بالقاهرة عام 1993م، وتخرج منها سنة 1997م، وكان الأول على دفعته، ثم عيّن معيداً بقسم الشريعة الإسلامية، وحصل على الماجستير من نفس الكلية سنة 2003م تحت إشراف العلّامة الفقيه الدكتور محمد بلتاجي حسن، ثم حصل على الدكتوراه عام 2015م من جامعة روان نورماندي بفرنسا بتقدير عام “ممتاز”، وأشرف على رسالته البروفيسور المشهور بيير ألبرتيني.
نظرًا لتميزه وانفراده بمواهب تفوّق بها عن أبناء جيله وإتقانه اللغات العربية، والإنجليزية، والفرنسية، فقد عيّن خبيراً بلجنة الترجمة بمجمع اللغة العربية عقب تأسيسها، وله العديد من الكتب والأبحاث المترجمة الفريدة، منها ترجمة لكتاب “موجز تاريخ الإسلام” لكارين آرمسترونج، وترجمة كتاب ” أزمة العالم الحديث” لرينيه جينو.
لعلّ من أبرز أعماله تلك الترجمة الحافلة لكتاب “المرجع في تاريخ علم الكلام” للمستشرقة زابينه شميتكه أستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة برلين الحرة في ألمانيا، وقد ترجم كتابها إلى اللغة العربية من اللغة الإنجليزية، ونال بترجمته المركز الأول في جائزة “الشيخ حمد الدولية للترجمة والتفاهم الدولي” عام 2018م تقديراً لترجمته وجهوده العلمية.
قدم لكتابه هذا شيخنا العلامة المجمعي الدكتور حسن الشافعي، ومن تقديمه أنقل هذه السطور عن المرحوم: “توفر على ترجمة هذا العمل القيم رجل حافظ لكتاب الله تعالى، متخرج في معهد … أعني كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وكان في مقدمة خريجيها، ثم تخصص في دراسة الفقه الإسلامي وأصوله … وآلى على نفسه فور العودة أن ينهض بمهمة تزكية التواصل مع الفكر الغربي الحديث وذلك بعد غربته الغربية التي أنضجت أهليته لهذه المهمة الفكرية، ليس في اللغة الفرنسية فحسب، بل في اللغة الإنجليزية، إنه الدكتور أسامة محمد شفيع الدين السيد، المدرس -الآن- بقسم الشريعة الإسلامية بدار العلوم، وهو سليل أسرة علمية”.
نعاه فضيلة شيخنا الإمام الأكبر أحمد الطيب -طيب الله أيامه- شيخ الأزهر العظيم بقوله: “بقلوبٍ صابرة محتسبة أنعي العالم البحاثة الدكتور أسامة شفيع السيد، فقيد شباب العلماء، المدرس بقسم الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، الذي وافته المنية اليوم، وقد عرفتُه من خلال ترجماته العبقرية لمجموعةٍ من الأعمال الفكرية الغربية القيمة، والتي يعز أن يكتب مثلها في مجال الترجمات المعاصرة للفلسفة الإسلامية والتصوف الإسلامي”.
في الحقيقة قد أثرتْ وفاته في الكثير من عارفيه والمطلعين على إنتاجه العلمي الغزير، فقد كنا ننتظر المزيد من الأبحاث التي لا يستطيع تسطيرها إلا الدكتور أسامة شفيع، وفقد البحث العلميّ باحثاً علمياً متميزاً مشهوداً له بالكفاءة العلمية على أعلى مستوياتها، فرحمه الله رحمة واسعة، وألهمنا جميعاً الصبر والاحتساب، وعوضنا خيراً منه.