أحمد بن موسى البلوشي
يقول دانيال دينيت: “إنّ العقول هي الأرض المجهولة النهائية التي تتجاوز ما يمكن لأيّ علم أن يتوصل إليه”. فعقولنا لا تتوقف عن النمو والتغيير منذ الولادة حتّى نكبر، إذ تتطور معنا، وتتغير بما يصاحبها من محفزات البيئة المختلفة، فالتطور الحاصل في جميع جوانب الحياة ومن ضمنها هذه المحفزات، وما وصل له العلم من تقدم قادر على صقل وتطوير عقولنا بصورة أكبر وأفضل، ومن البديهي أن يواكب هذا التطور تطور في نمط التفكير، وفي طريقة التعامل مع الحياة ومجرياتها، بمعنى أدق، أن يصبح العقل أكثر نضجاً، واتّزاناً مقابل ما يشاهده ويسمعه في الحياة.
إنّ تطور الحياة بجميع مجالاتها لم يكن وليد الصدفة، بل كان نتاج العقل البشري، فجميع الدول المتقدمة تقدمت بعقول أبنائها وعلمائها، من خلال خوفهم على مجتمعاتهم، وسعيهم الدائم بأن تكون دولهم في مصاف الدول المتطورة، نعم هذه هي العقول التي نرغب أن تكون بيننا، عقول تفكر وتزن ما يحدث حولها بروية، وتحاكي الأحداث بلغة المنطق، وليس بلغة العاطفة، وإن كانت العاطفة غريزة في الإنسان ولكن لها حدود معينة، فهل يعقل أن تصادر كل ما تعلمه عقلك مع التطور الحاصل مقابل مقطع يتداول في قنوات التواصل الاجتماعي فتنتقص من الآخرين وقيمهم أو تهضم دور وجهد بعض الجهات الحكومية؟ أيعقل بأن يصل عقلك لهذه الدرجة من التفكير فلا تميز بين الخطأ والصواب ولا بين الحقيقة والإشاعة؟ وللأسف تجد بعض المتعلمين ينتقصون من الوطن وقيمته مقابل مشاهدة مقطع فيديو تمّ تداوله لشخص يكاد يكون نكرة في أغلب الأحيان، وتصديق محتواه رغم ما في هذا المقطع من إساءة للمجتمع؟
أيعقل أن يبيع المرء قيمه مقابل مقاطع يتم تداولها وليس لها أساس من الصحة، فقط الذي يميزها أنها أنتجت بصورة احترافية، وهذا الذي يحصل الآن مع لقاح فيروس كورونا، فكم من شخص فارقنا والسبب أنه أحجم عن أخذ جرعة اللقاح متأثرا بأحد المقاطع التي تتحدث عن أضرار اللقاح. فأين العقل الذي كرمنا الله به، أين العقل الذي يفكر، ويميز ما بين الصواب والخطأ؟ أهذا هو العقل الذي كرمنا الله به عن سائر المخلوقات؟! أليس من الأجدر أن نستخدمه بصورة أكثر عقلانية؟!
وأخيراً إنّ العقل البشري نعمة من نعم الله المختلفة على الإنسان، والواجب عليه أن يوظفه للتطوير وإعمار الوطن، فالإنسان مسؤول عن عقله، وعن تصرفاته واستخداماته، ويجب علينا أن نفعّل عقولنا بطرح كل ما هو مفيد وأن نميز بين التفكير العقلي والعاطفي.
