بوصلة العلاقات الاجتماعية
إلهام عوض عبدالله الشهراني
يقول أحدهم:
(الدنيا مهما عظمت فإنها حقيرة،
ومهما كبرت فإنها صغيرة، والليل مهما طال لابد من بزوغ الفجر، والعمر مهما طال فلابد من دخول القبر).
من سنن الله الكونية أن الحياة لا تبقى على وتيرة واحدة، يقلب الله الليل والنهار، ويقلب خلقه من حال لحال بحكمته، بين صحة ومرض، وفقر وغنى، وعز وذل، والمتأمل يرى أفرادا يموتون وآخرون يولدون، وأفراد يتقبلون العزاء وآخرون يتقبلون التهاني بمناسبات كالزواج وغيره، فالحياة بين كفتي ميزان من الشر والخير، والفرح والحزن.
إنّ حياة الإنسان عبارة عن محطات مختلفة، يعاني فيها كثيرا، ويتألم أكثر، ويتعلم من التجارب التي مرت عليه نتيجة أخطاء ارتكبها أو قرارات اتخذها، أو نتيجة سقوط الأقنعة المزيفة، فيتعلم دروس مجانية منها، ويعيش لحظات الندم والحسرة على ما فات، ربما في الوقت الضائع وربما يستفيد ويفتح صفحة جديدة، ويطوى صفحة الأمس بقوة الإيمان، ويعرف كيف يتعامل مع الآخرين؟ حسب الأقلام الرصاص والحبر، وإذا احتاج للممحاة فلا يتردد .
وفي نفس السياق:
إن الإنسان لابد أن يبني علاقاته الاجتماعية ما بين ضوابط دينية، وتقييم دائم لتصرفات الآخرين واقتناع ذاتي أن: “الناس أجناس”، لا يتأمل في تغيير أطباعهم، ولا تهذيب سلوكهم فالأخلاق هبةٌ ورزقٌ من الله كباقي الأرزاق صفات يتحلون بها الأفراد كما يقال : “فمن عاش على شيء مات عليه”.
فالعاقل يجعل تعامله مع الناس بحدود، ولا يكون كأنه كأس يسكب فيه الآخرين عقدة النقص وسوء الأخلاق حتى يمتلئ فيصاب بالأمراض النفسية والعضوية من جراء عدم حسم الأمور.
يقول حكيم : “لا تفرض نفسك على من لا يعتبرك أن ترحل شامخا خير لك من أن تبقى مستمتعا ذليلا” .
سوف أطرح قصص من الواقع للعبرة، والقصة الأولى: “رجل في العقد السادس من العمر تدهورت صحته حتى فقد بصره، ولم يوفق في بناء أسرة صالحة، فكان أول من تخلى عنه ورمى به في عرض الطريق أقاربه، وهو محتاج رعاية صحية، ورفع معنويات، وزيارات متفاوتة فالوحدة قاتلة، لقد جرحوا قلبه وطعنوه بالظهر و تركوه ينزف حزنا وألما، لقد زادوا عليه هموم البلاء والمرض، حتى ظهرت معادنهم الرخيصة برخص التراب في الوقت الضائع.
وقد يقول قائل في هذا السياق: “الناس معادن يمكن تزييف ظاهرها ولكن تميزها الشدائد فتخرجها على حقيقتها.
لم يتركه الخالق من فضله سخر فتاة من أقاربه ترعاه بقدر الاستطاعة، حتى أسدل الستار على حياته، وانتقل إلى جوار ربه.
القصة الثانية:
حدثتني صديقة عن إحدى أخواتها أنها أصيبت بجلطة، وعجز صحي، وعندها ولد في ريعان الشباب تقول صديقتي لم تخرج أختي من المستشفى حتى توزع بيننا أدوارا للرعاية والعلاج النفسي الديني وحثها على الصبر والاحتساب أن الترابط الأخوي نتيجة تربية أسرية صالحة دينيا، غايتهم مرضاة الله والأجر والثواب
العبرة من القصتين:
شتان بين من يحبه الله ويوفقه بالبر والإحسان لذوي القربى، وبين من حرم من ثواب البر والإحسان، ولا يكون إلا الفرد عليه ذنوب منعت عنه الزيادة من الحسنات.
في الختام :
اعرف الله في السراء يعرفك عند الضراء، ولا تجالس إلا الأتقياء الذين يتقاسمون معك الآلم وجروح الحياة، ويقفون معك معنويا ربما تجدهم إخوة لم تلدهم أمك.
ضع بالحسبان أن الدنيا فيها النعم والنقم، وتحول العافية، فلا تأخذك العزة بالآثم، والاستعلاء على الناس مهما أعطيت من النعم فأنت بدار البلاء والاختبار، واجعل شعار تعاملك مع الآخرين كالمياه الراكدة لا تسبح بها ولا تثق بما فيها.
الخاتمة:
قال قائل: “ابتعد عمن يسئ معاملتك، لا تجامل كذبا ولا توافق خجلا، أن الله لم يمنحك هذه النفس لتعذبها”.