هو رمضان
خولة محمد
أتى ليمسحَ برفقٍ على تلك القلوب المنهَكة.
أخذ يَجْبُر تشقق الهمم لتنير مجدداً.
أتى ليهدُّ جبال الذنوب بمعوَل بركته.
أتى ليخبرنا أن ذاك الزَبَد حان نسفه عن شواطئ سلامنا وسكوننا.
أتى يرسم طُرُقاً جديدة للخير
وفيه مساعي البناء والبذل معبّدة ميّسرة.
وكأنه يقول: فقط امشِ عليه وليتَكَ تهرول.
فكل الثواب فيه مضاعَف لدرجة الذهول والعجز عن إحصائه، مضاعف للدرجة التي تُذهَل فيها.
كيف لحَسَنةٍ صغيرة أن تتفرع كضياء الصباح أول ما تُشرق شمسه!
ِ حسنةٌ تتشعب وتنتشر في أرجائكَ كقطرة حبر تُصافح الماء.
أنت لا تأبه لمعروفٍ فعلته – في لحظات – كيف له أن يخلِّدك!
والفطِن مَن اغتنم قبل أن يقال تلك المقولة التي تزاحم نهايته، المقولة التي من المفترض أن تكون بهجة لنا لكن قلوبنا المفرِّطة تتشربها كحسرةٍ لعدم اجتهادنا لبلوغ الخير الذي فات للتّو، نتشربها كحسرة لعلمنا بأن ميزان أعمالنا ما زال يتأرجح يمنةً ويُسرة من خفّته.
لنغتنم حتى لا تغصُّ مسامعنا جملة: (عيدكم مبارك) بل نعيشها بكل أفراحها؛ لأننا سعَينا بدأبٍ للخير في شهر الخير.
لنغتنم الآن حتى نَسْعد وبهناءٍ نحلّق في أجواء العيد ويتردد اليقين داخلنا (وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)
فما زالت هناك أياماً تأبى أن تُصبح يتيمة من الصالحات.
طالما تعطّشت من ثَواب، طالما سُمع لها أنين التقصير.
هي بأيدينا الآن فلنملأ لحظاتها فيضاً من روحانية القرب، وغيثاً من طِيب الكَلم والفعل.
لنهبَ أنفسنا مهداً جديداً، لنحيا عُمراً كعذوبةِ الطفولة.
هو رمضان وصُرِّح لنا أنه ( أياماً معدودات).
انقضت أياماً منه وكأننا للتّو نعيش أجواء استقباله.
في هذا بالغُ حكمة، فلنغتنم قبل أن تُطوى أيامه، وتُرفع أعماله ( إنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شهيد)