كن سمحًا تكسب قلوب الناس
بقلم : كاذية بنت علي البيمانية
اصبحت الدنيا مليئة بالمتغيرات المتلاحقة والسريعة، حتى أصبح الكل يسابق الريح لتهيئة سبل الحياة الكريمة ولتوفير لقمة العيش لابنائه، ليسد ما عليه من تراكمات مالية، خاصة في ظل الأوضاع الحالية وزيادة موضوع التسريح عن العمل ورفع الضرائب والخصومات وغيرها، والذي كان له أثر سلبي على حياة الناس، فأصبح كل شخص منشغل بنفسه بعيدًا عن الآخرين، يعيش في خضم ضغوطات الحياة وتقلباتها، فما أن تعرض لمشكلة أو موقف سلبي فنجد البعض منهم يتسرع في الحكم على الآخرين فيبتعد عن الملاطفة في الحوار والنقاش، يتفنن في تفسير الموقف بناء على نظرته السلبية، فتساوره الشكوك في الشخص المقابل ويعتقد أنه هو الصح والطرف الآخر هو المخطئ والمذنب، فتتعالى الأصوات ويهبط مستوى التسامح، لذلك كان لزامًا علينا أن نعي أهمية التسامح، فمتى ما أدركنا معنى الحب فلن يكون صعبًا علينا إدراك العطاء والتسامح، فالحب حالة نفسية جسدية بينما التسامح تجاوز لحاجات الجسد، يصبح الإنسان فيها سيد نفسة قادرًا على تخطي الحواجز النفسية، قادرًا على التحكم في مشاعره، يمتلك قرار تصرفه بعقلية حكيمة واعية، عليه أن يعي أنه ليست الظروف أو من حوله من يملك القدرة على جعله سعيدًا أو تعيسًا فهو القادر على صنع الموقف.
لذا فالتسامح من أسمى الصفات التي حثنا عليها ديننا الحنيف، فالتسامح هو العفو عند المقدرة والتجاوز عن أخطاء الآخرين، والتماس الاعذار لهم، والنظر إلى مزاياهم وحسناتهم بدل التركيز على العيوب والأخطاء، فالحياة قصيرة تمضى دون توقف فلا داعي لنملأ قلوبنا كره وحقد، بل علينا أن نسعى لنملئها حبًا حتى نكون مرتاحي البال، فتتصافي النفوس والعقول.
فنحن بمزايدة الموقف والتعنت والإصرار على الموقف الواحد لا نحل المشكلة، ولا نستطيع بها فرض شخصيتنا، التي غالبًا ما يتوقع الشخص أن هذا من مقومات الثقة بالنفس، وأنه يصنع له شخصية قوية مع الآخرين، فيتمادى في رفع الصوت، ويعرض رأيه وكأنه قرآن منزل لا يحتمل الخطأ، وكأنه مر بخبرات لم يمر بها الآخرين، فيجعل هذا الغضب والانفعال يستهلك من طاقاته، ويعمل على هدم مكانته الاجتماعية عند الآخرين، وإن كان لم يواجهونه بالقول، فنجد أن الأغلبية تحاول الابتعاد عنه خشية الدخول معه في جدال عقيم لا نفع منه، يكون فيه ضياع للجهد والوقت، متناسيًا قول تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}- 159،سورة آل عمران- مبتعدًا عن سنة نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم حيث قال: (ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسة عند الغضب )- أخرجة البخاري.
المصيبة أذا كان المتواجهين من نفس الطبيعة الانفعالية، فكل واحد يحاول يفرض شخصيته وصحة موقفه، فتضعف فرصة التسامح، وترتفع حدة الضغائن والشحناء بين الطرفين، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة، وتداخل وتفرع في محاور المشكلة، مما يؤدي إلى تدخل أطراف آخرين لمحاولة إيجاد المخرج، فتطول وتقصر المشكلة داخل هذه المومعة، وقد أثبت العلم الحديث أن الإنسان اثناء الانفعال تفكيره المنطقي يختل من (70%-80%)، وبالتأكيد أن هذا سينعكس على ردود أفعاله سواء كان الفعل سلوكًا أو قولاً.
نحن لا ننكر أن الأحوال التي يمر بها الشخص من فرد لآخر تختلف، فطبيعة المشاكل والصعاب متفاوتة في الدرجات والمستويات، لكن الانفعال لن يحل لنا شيئًا، ولن يثمر إلا الخسائر الإضافية التي نحن في غنى عنها، فالقوي هو من يستطيع أحكام السيطرة على زمام أعصابه وافكاره، فالكلمة إذا تجاوزت الشفتين أصبحت مثل البركان الذي يلحق الدمار بما أمامه، وقد نتمكن من اصلاح بعض مخلفات البركان وما نتج عنه من حطام، لكن الأمر المجزوم فيه بأن هناك بقايا آثار سلبية ستضل وتكون ثغره ضد الشخص المنفعل.
إذًا ما عليك إلا أن تدرك أنه يمكنك أن تتحكم في مشاعرك وانفعالاتك بطرق متعددة وأوقن أنك تعرفها، فكل منا لابد أن يعرف مفتاح تحكمه، وكما يقول الكاتب خالد المنيف “إذا لم تتمكن من اضافة صديق في يومك، فلا تكثر أعداءك”. لهذا ابسط الحياة لتنبسط معك، وتجاوز عن الزلات والعثرات تنم قرير العين هانئًا، اعمل على تقوية مشاعرك ومراجعة نفسك، والتمس الأعذار للآخرين، فقد روي عن جعفر بن محمد أنه قال: ” إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا، فإن أصبته، وإلا، قل: لعل له عذرًا لا أعرفه”، وفي رواية أخرى نسب هذا القول إلى ابن سيرين.
إذًا علينا أن نحسن الظن ولا نسمح لوسوسة الشيطان أن تفسد ود العلاقة مع الآخرين، علينا البحث عن المبررات، علينا أن نتسامح ونتغافل، وإذا استصعب علينا الأمر فعلينا المصارحة بالمشاعر والتعبير عن ما يجول بخواطرنا بأدب، فقد قال لقمان الحكيم: ” يا بني كذب من قال إن الشر بالشر يطفأ، فإن كان صادقًا فليوقد نارين، وينظر هل تطفىء إحداهما الاخرى، وإنما يطفىء الخير الشر كما يطفئ الماء النار “.
علينا أن نفكر دائمًا في عواقب كل سلوك نقوم به، فلحظة من الصبر قد تقينا الكثير من المصائب وتجنبنا فقد الاحباب والأصدقاء، فالتسامح شعار المسلم ورسالة السلام، وهو شجرة راسخة في الأرض تعطي أروع الثمار، فعلينا جميعًا أن نعمل على تدريب أنفسنا على التسامح وتقبل النقد من الآخرين، والتماس الاعذار، لنعيش حياة الألفة والتعاون، فنكسب قلوب بعضنا واحترامها.