وترجل سادن الضاد
علي بن مبارك اليعربي
نعم ترجل أحد أبرز أسدنة الضاد (اللغة العربية) وريث الفراهيدي، والكسائي، وابن جني، والجوهري، وابن فارس، والزمخشري، وابن مالك، وأبو الأسود الدؤلي، وغيرهم ممن خدموا اللغة العربية، هؤلاء كانوا ويبقى أثرهم الزاخر حين عمدوا على تنقية لغتنا الجميلة من شوائب سطت على مخارج حروفها ونطقها ومنطقها وعمق وغزارة معانيها. رحل من رفض تلوثها وكافح من أجل تقوية أعمدتها المزينة بالتلاوات العشر؛ ليبق جسدها معافى سليما وقلبها نابض بشرايين سدنتها وحراسها، ومنهم فقيدنا رحمة الله عليه الدكتور سليمان بن سيف بن سالمين الغتامي، عندما انتقلت روحه الطاهرة ورحل من رحابنا الضيق الآفل إلى رحاب الله الأزلي الأوسع في صبيحة يوم الثلاثاء 12 جمادى الآخر 1442هجري الموافق 26 / 1 / 2021 م.
أفلت فيها قامة فكرية وعلمية تشهد تألقها فصول دراسية وقاعات، ومراكز أبحاث ومؤتمرات وحلقات نقاش ومحاضرات، تلكم المواقع والمحافل تسجل مواقفه وذاتيته اللغوية، والتي كان أحد أسدنتها والمحافظين عليها.
ترجل سادن الضاد، وأستاذ الكثير من معلمي اللغة في بلادنا الأبية. وعلى رأسهم خريجو جامعة السلطان قابوس حيث حرص -رحمه الله- في تلقينها لهم ولم يكتف بذلك، بل سعى إلى إكسابهم طرق وأساليب التعامل مع أبنائهم الطلبة داخل وخارج فصولهم الدراسية وكيفية الوصول بهم إلى محبة لغتهم العربية والتمسك بها.
في عام 1991م وادعته كزميل عندما عملنا معًا في مدرسة بلال بن رباح بولاية سمائل، وبالتحديد في مسقط رأسه بقرية سرور، يومها امتزجت مشاعر الحزن والفرح حزنًا بوداع كفاءة طالما تمنينا وجودها واستمرارها بيننا لنرقى ونرتقي بها معينًا لكوادرنا التعليمية، وينهل أبناؤنا الطلبة من معين ألفاظه وبلاغة منطقه و عمق منطقيته وقوة بيانه وحسن أخلاقه وعلو همته، وفرحًا بترقيه وذهابه إلى جامعة السلطان قابوس؛ ليكون في مهمة أسمى وأرقى مهنة لا تقل أهمية من سابقتها الأولى، سادن من أسدنة الضاد والأخرى أعم وأشمل، حين أصبح أحد صانعي سدنة لغتنا العربية لغة الضاد، و هذا ما هون علي وداعه في ذلك الوقت، حيث كنت على يقين بأن طموحه، وهمته، ونشاطه، ورغبته الأكيدة في خدمة لغتنا الجميلة ستجعل منه علامة فارقة وقيمة مضافة في الحفاظ على استمرار، وتألق وأصالة لغة الضاد، والذي ما انفك مدافعًا عنها وحارسًا أمينًا لها و داعمًا لسدنتها.
لكن هذه المرة كان فراقكم فقد أثار غصة في النفس وجرحا في القلب، وسهمًا أصاب الضاد بكسر في أحد أضلاعها.
نسأل الله أن يقرض لنا من يجبر خواطرنا بمن يعوضنا فقدك وأن يكونوا خير خلف لخير سلف.
واليوم أيها الفقيد الغالي ينعاك جميع معلمي (سدنة) لغة الضاد خريجو جامعة السلطان قابوس منذ عام 2002 وحتى 2021 م من طلاب البكالوريوس وطلاب الدراسات العليا.
اليوم وبالذات وبعد مرور أربعين يومًا على مغادرة فقيد أعظم جامعات السلطنة، جامعة السلطان قابوس، الدكتور سليمان بن سيف الغتامي ينعيه كل منتسبيها من الأكاديميين والإداريين وأعضاء اللجان المشارك بها،
كما تنعاك الضاد وأهلها والمغرمين بها لما بذلته من جهد لصيانة ما أصابها من ضعف ووهن، جراء تخاذل أبنائها ممن رموها بعقم حين أمست في ألسنتهم معوجة ركيكة، فحفظت لكم جميل صنيعكم فيها؛ لهذا عانت مرارة فقدكم.
وتخليدًا لذكراكم وإكرامًا لروحكم النقية الطاهرة دكتورنا الغالي يعدكم كل من أعددته لمهمة طالما سعيت إليها؛ وهي جعل اللغة العربية بليغة رصينة بأن يكونوا عند حسن ظنك بهم، لأنها هي لوحدها تسمو بنا، وهي دليل تقدمنا ونهضتنا، فهي منبع فكرنا وقلب عالمنا النابض وعظمة ثقافتنا، ونعدك جميعًا بأن نكون أسدنة لغتنا العربية لغة الضاد.