الرجل والرجل الصغير
الدكتور: طالب بن خليفة الهطالي
Talib.oman@hotmail.com
لا ريب أن التعامل الناجح هو أساس التواصل المثمر بين البشر، وهذا التواصل يختلف من شخص لآخر حسب الرابطة التي تجمعهما، فهناك علاقات دائمة لا يمكن تغييرها بحال، وهناك علاقات مسبَّبة يستمر وقتها ما دام ذلك السبب قائماً، وهناك علاقات مؤقتة سرعان ما تنتهي وهي العلاقات العابرة، إنَّ العلاقة التي تنشأ بين الأب وابنه علاقة لا يمكن تغييرها مهما عكّر صفوها وجمالها أي سبب، فهي لا تنتهي حتى ولو قطع الموت أحد أطرافها، تبقى مستمرة لارتباطها بالدم، لهذا فهي علاقة متينة ولها خصوصيتها وأسلوب مختلف في التعامل معها والأحاسيس التي تنشأ بينهما قال الله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [القرآن. الكهف.46].
يبدأ الإنسان طفلاً رضيعاً ينشأ ويترعرع بين أحضان والديه يستمدّ منهما القوة ويتعلم كيف يبدأ كلامه، وبينهما يخطو أولى خطوات حياته، يسهران كي يرتاح ليوفرا له العيش الرغيد والحياة الكريمة، يتحملان من أجله قسوة الحياة وغطرسة البشر.
لقد غيرت الطفرة المعلوماتية الكثير من العادات والمفاهيم والأعمال التقليدية التي كان يمارسها الوالد في تربية وتهذيب وتعليم أولاده، فقد أصبح التقدم التكنولوجي من المسلّمات وواقع مفروض لا يجب تجاهله، فلا غرابة أن يسمع من الناشئة كلاماً لم يتعود الآباء سماعه، ويسألونهم أسئلة تسبق عمرهم ويصعب الإجابة عليها، وما يُلاحظ أن تجد البعض يصرخون في وجوه أولادهم ويتعاطون مع مثل هذه المسائل بأسلوبٍ سلبي ويتعاملون معهم بصيغة الأمر غير آبهين للآثار التي يمكن أن تنتج عن ذلك، كما يعدّ تهميش أسئلة الأولاد وطلباتهم وازدرائهم خطأ يجب أن لا يُتهاون فيه، فإنه يمكن أن يدفع بالأولاد اللجوء إلى مصدرٍ آخَر من أجل الحصول على من يجيب على تساؤلاتهم، لذلك فإن فهم الطرف الآخر وخاصةً صغار السنّ أمرٌ ضروري، وفهم نفسياتهم وتحليلها واحتواء تساؤلاتهم والاجابة عليها وحلحلة مشاكلهم أمرٌ في غاية الأهمية، فما إن يبلغ الرجل الصغير سنّ الخامسة عشر من عمره وتظهر عليه علامات الرجولة حتى يبدأ نجمه يلوح في الأفق ويطفوا عناده على السطح، فينطلق ليشق طريق حياته، وهنا تأتي مرحلة فاصلة في حياة هذا الرجل الصغير، ففي هذه المرحلة يشعر بالفتوة والرجولة وأنه قادر على إنجاز ما عليه إنجازه بنفسه ويدور في خلده أشياء كثيرة وأحلام يريد تحقيقها ولكنه في ذات الوقت يشعر أن والده يقف عثرة في طريق تحقيق أحلامه ونجاحاته.
ويظن أن عدم امتثاله لنُصحه وتوجيهاته من علامات الرجولة، فيبدأ هذا العناد يكبر شيئاً فشيئاً غير آبهٍ لما للوالد من حقّ عليه، قال الله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [القرآن. الإسراء. 23]، والسؤال الذي يتبادر للذهن:
هل للصحبة تأثير على تصرفات الرجل الصغير؟
متى سيدرك الرجل الصغير معنى شدة الرجل الكبير؟
ولا ريب أن كل أب يريد أن يكون ابنه أفضل منه في كل المستويات العلمية والعملية، فهو استثمار حياته، ولا غرابة أن نجد أن للمؤثرات الخارجية التي يتعرض لها الرجل الصغير تأثيرات عليه سواء سلبية أو إيجابية، فكما يقال الصاحب ساحب، ناهيك عن التقدم التكنولوجي والثورة المعلوماتية الضخمة وسهولة الوصول إليها تجعل الولد يتصرف تصرفات تسبق عمره غير مدرك ما إذا كانت ضارة أو نافعة، فحرص الوالد تجاه أولاده نابع من خوفه عليهم وبذله قصار جهده لضمان سلامتهم وحبه لهم والدفاع عنهم بكل ما يملك من قوة ولو كلفه ذلك الكثير، وليس كما يتخيله الرجل الصغير أنه يعترض طريق تحقيق أحلامه ونجاحاته، فهم يسهرون من أجل إسعادهم وتنشأتهم النشأة الصحيحة والسليمة والسهر على حمايتهم حتى لا يتعرضون للأذى، يعلّمونهم الصفات والخصال الحميدة والكرامة وعزة النفس، رغم قسوة بعضهم وردود أفعالهم السلبية تجاه والديهم ويمكن أن يكون للصحبة دور في ذلك، فكما يقال أن ما يصنعه الوالد في شهر تدمره المؤثرات الخارجية في يوم,
لقد جعل الله طاعة الوالدين وبرهما من الأولويات التي يتوجب على الأولاد اتباعها لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنَّ شئتَ فأضِع ذلك البابَ أو احفَظْه)[الحديث. رواه الترمذي.1900]، وأقتصر حديثي عند هذه النقطة فالموضوع له أبعاد أكثر وأعمق من ذلك .