2024
Adsense
قصص وروايات

طفلتي قدس (نص من رواية قدس)

خولة محمد

طفلتي قدس، أكتب لكِ وأنتِ ما تزالين في عالم العدم، تتوارين بعيدةً عن أمّك التي لم يجمعها القدر مع أباكِ بعد.

أكتب لكِ هذه الرسالة لتكون مهدكِ الأول حين تصلين إليَّ.

بكاؤك بأول لحظة لكِ في هذه الدنيا لا يعجبي إن ظننته صرخة ثائرة، لا تبتأسي من أُمك، هي دائماً تتعامل مع أفراحها بِتَذَكّر أتراح الحرب ودمويتها، تتقاسم ضحكاتها مع قضيتها الأولى. أمك لا تجد كمالاً لسعادتها إلا إذا تذكرت فلسطين لذلك أسمتكِ- وقبل ميلادك-قدس، لا يدَ لي يا قدس سوى أن أسطّر شغفي للقدس بقلمي، الذي طالما أسعفني أثناء أضيَق لحظاتي وأحلكها، لكني أراه يخذلني عندما أكتب عن فلسطين ويصبح عاجزاً عن الثأر كأمّته.

لا بأس يا صغيرتي، ربما إحدى الأمهات تكتب لرضيعها الذي ترى منه عُمَر وصلاح الدين، إحدى الحرائر في زاويةٍ ما من هذا الكون الذي جمع الأضداد قاطبة، ترصّ البارود وتوزعه على الثائرين أملاً؛ ليشرق به قدسنا الفقيد، وإن لم تجد مَن تعطيه ستحمله هي رغبةً في إحياء العزة لأمّةٍ باتت راضية بالذلّ الذي ركنتْ إليه لقرون بائسة، أراها يكللها الذل يا صغيرتي ويكللني، ولكن أول لحظة أُبصر فيها عيناكِ أتزود منهما قوةً تمحي ضعفي وتطوي انكساري.

سأراكِ يا قدس دنيا من فرح، سأنسى المشاقّ التي عبرتها آنفاً، فإن تذكُّرها بؤس يا قدس، عندما أحتضن بسماتك سأسحق الآلام التي أردتني خائرة القوى يوماً.

لو تعلمين كم أحنّ شوقاً لأراك انتصاراً على متالفي بأسرها، ستظل أمك تكتب لك المزيد؛ لتخفف من حدّة شوقها إليك، ستظل تكتب شغفاً إلى أن تأتين، وبعد مَقدمك الحافل، قد تفخرين بأمك، وقد تقرأينني يوماً بنهَمٍ يا قدس، تتزاحم في ذاكرة أمك القصص والمبادئ والأحلام، حينها لن تشعرين بملل، بل ستقتبسين تجاربي نوراً يا قدس.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights