2024
Adsense
مقالات صحفية

المعاملة بين المثل والإحسان

علي بن مبارك اليعربي

يعيش بنو البشر في هذه الحياة ويضعون لها نظاما ومعاييرا وأنماطا للتعامل مع الآخرين وكثيرا ما يجعلون لكل شيء مقياسا بين ما يقدمونه لبعضهم وما يتلقونه منهم، وهذا في حقيقة الأمر ميزان في معظم الأحيان غير عادل ويعد سلاحا ذا حدين إذا ما اعتمد الفرد على المعاملة بالمثل؛ لأنه سوف نقضي الكثير في تقييم ما نحصل عليه وما نقوم به تجاه الآخرين، ويجعلنا نعاني عندما نكتشف أن ما تلقيناه أقل بكثير مما قدمناه كما أنه يشعرنا بعدم الرضا وتضعف علاقاتنا الشخصية معهم؛ لأننا في الغالب نتوقع منهم على الأقل عدالة العطاء وهذا ما يزيد معاناتنا ويشعرنا بالإحباط وخيبة الأمل. وهذا يجعلنا نعيد التفكير بالاستمرار في العطاء والبدء في التفضل والبحث عن البدائل فمبدأ المعاملة بالمثل أي الأخذ والعطاء يتطلب منا رد ما يفعله الآخرون معنا وتوقعنا نحو تجاوبهم برد المنفعة بالمنفعة والإساءة بمثلها، وهذا ما يتخذ كمعيار اجتماعي للمعاملة.
ولا يتضح ضعف هذا المعيار إلا عندما تضيق الأمور بأحدنا ويطلب الدعم والعون من شخص لطالما هرع هو لنجدته، حينها يدرك أن ما نحصل عليه مختلف تماما عما نقدمه؛ لكن العقل الباطن (اللاوعي) بطريقة أو بأخرى يجعلنا نعتقد جازمين في المقولة بأنه “إذا بحثنا عن الآخرين، فسوف ينتهي بهم المطاف في البحث عنا” رغم قناعتنا بعدم حدوثه في الغالب وهذا سبب معاناتنا وصراعاتنا في العلاقات الشخصية. ومعيار المعاملة بالمثل تتخذ أشكالا وصورا متعددة تختلف باختلاف المجتمعات ومجالات الحياة فيها رغم ابتعاد أفكارها عن الامتنان أو أساليب وأخلاقيات التعامل وتبادل حسن النوايا. وبفلسفة التفكير المنطقي في علم النفس البشري هو البحث الدائم عن الذات وتقليل توقع المساعدة من الآخرين أو السعي لإرضائهم لتحقيق ذلك. وليس معنى هذا أننا لا نبحث عن الآخرين بل سنفعل ذلك إذا رغبنا، فقط علينا تجنب التفكير في مقابل عما نقدمه لهم.
كما أن معيار المعاملة بالمثل تعد أداة تحفيزية جيدة تسهم في دعم وتنظيم السلوك التعاوني للحياة الاجتماعية القائمة على الاكتفاء الذاتي وتجنب أضرار الناتجة من ضعاف النفوس وعديمي الضمائر وهذا – بحد ذاته – يوجد التوازن والاستقرار في النظام الاجتماعي بشكل عام والارتياح النفسي على وجه الخصوص. ومع أن أمر المعاملة بالمثل متروك للفرد نفسه. … المهم متى وكيف يقدمه؟ إلا أن الأوّلى هو الصبر والعفو ومقابلة الإساءة بالإحسان مصداقا لقوله تعالى في محكم التنزيل ( وَجَزَٰٓؤُا۟ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فأجره عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ) الشورى: 40 وقوله تعالى:{ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) } وفي قول رسولنا الكريم في الحديث الشريف [صل من قطعك، واعط من حرمك، واعف عمن ظلمك] رواه أحمد وصححه الألباني.
فمساعدة الآخرين والإحسان ونفعهم تعد من أعظم الأمور التي تعزز مكانة وقيمة الإنسان في مجتمعه. حيث إنه خلق وسمة تميز العابدين المقربين وأداة من أدوات تماسك المجتمع وسبيل نهضة وتقدم الأوطان به تقبل أعمال وأفعال البشرية وتتحسن أحوالهم وهو دليل نبل الفرد به نكسب النفوس ونهيمن على القلوب ونشتري الحب ونخطب الود ونستعبد الأفئدة. فكن محسنا لا تؤذي أحدا، صابرا محتسبا الأجر والثواب من الله الواحد الأحد حينها تكون قد أتقنت فن التعامل مع الناس واكتسبت ثقتهم فما أجملَ الإحسان وأهله؛ فهو كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه. فالمحسن محبوب عند الله، وعند عباده.
لذا يجب علينا عزيزي القارئ تقنين وتفنيد وإدراك متى؟ وكيف؟ تكون المعاملة بالمثل مع الحرص على استحضار الإحسان قولا وفعلا.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights