فعّل حسك الأمني!
ظافر بن عبدالله الحارثي
الحس الأمني “هو الاستعداد الفطري المتولد داخل النفس الإنسانيَّة”، والذي من خلاله يستطيع الفرد إدراك مكامن الخطر، بل والتعامل معه، حيث إن هذا الحسّ يكون حاضرًا بمجرد استشعار وجود خطرٍ ما، أو وجود مؤشراته، كما يرفع من كفاءة حسن التصرف أثناء وجود خطرٍ قائمٍ، ونظرًا لشمولية هذا المصطلح وبالرغم من تعلق هذا المفهوم بأفراد الأمن، إلا أنني أريد إصباغه صبغة مدنية قانونية وذلك عن طريق إسقاطه وتوظيفه في باب المعاملات والعلاقات بين الأفراد.
الأمر الذي دعاني لاستعاضة مصطلح “الحس القانوني” بالحس الأمني هو انخفاظ درجة التمكن الذي قد يتصف به غير القانوني في مجال القانون، لاسيما في ظل الجهود التي يبذلها المتخصصون حتى يصلوا لمستوى الإجادة والممارسة وسرعة التصرف، وهذا لا يعد تقليلًا من شأن أحد، بل حتى نستوعب مدى صعوبة هذه المهارة، وفي رأيي المتواضع أرى أن هذا الأمر يسري كذلك مع جميع التخصصات الأخرى، فبالرغم من اجتهاد العوام في تحصيل قدرٍ معلوماتي قيم إلا أنه تبقى هناك بعض الفروقات الجوهرية بينهم وبين المتخصصين.
إنّ تفعيل الحس الأمني في علاقاتنا ببعضنا البعض أصبح أمرًا ضروريًا حتى وإن لم تكن عملية التواصل مباشرة، بل حتى وإن تغلفت هذه العلاقة بالثقة والائتمان، وخير شاهد على أننا بحاجة ماسة لها أكثر من أي وقت مضى هي ساحات المحاكم التي تشهد بشكل يوميّ منازعات بمختلف درجات القرابة وخلافات بدت بسيطة ثم تصاعدت وأصبحت أكثر تعقيدًا وحِدة، وهذه دعوة صريحة اللفظ وواضحة المعنى ليس لعدم حسن الظن بالآخرين، بل لأهمية أخذ الحيطة والحذر، والاعتماد على طرق الوقاية أكثر من الدواء، وللقيام بذلك هناك جملة من الإجراءات الاحترازية على سبيل المثال: (استشارة مختص، الاطلاع على المراجع التنظيمية المتمثلة في القوانين واللوائح، تفادي الالتفات على القانون وغيرها)؛ لعل إذا ما تمحصنا في مسببات وصولنا لهذه المرحلة لخرجنا بجملة من الأسباب، إلا أنني أترك عملية تحديدها لأصحاب الاختصاص، ولكن ما أستطيع قوله هو مهما تعددت الأسباب للأسف النتيجة واحدة.
لا قانون بلا مجتمع (من المبادئ الأساسية في علم القانون)، ومفادها أنه إذا كنت وحدك دون أن يشاركك أحدٌ في الحياة فلا تحتاج إلى قانون على اعتبار أنك المالك الوحيد لكل شيء، كما لا تحتاج لقواعد تنظم سلوكك؛ لأنه لا يوجد أحد غيرك، ولكن متى ما تواجد معك شخص آخر تحتم عليك مراعاة سلوكياتك، وكل ما تأتي به من قول وفعل، فضلًا عن الالتزام بالمسؤوليات كالحفاظ على النظام العام ومراعاة الآداب العامة، وممارسة حقوقك بالحد الذي لا يشكل تعديًا على حقوق الآخرين.
والجدير بالذكر أن من مسؤوليات الأفراد كذلك تبين صحة الخبر أو المعلومة من عدمها، والتي غالبًا ما تكون قد وصلت للجمهور عن طريق برامج التواصل الاجتماعي الذي يساهم بدوره في نقل الحدث بسرعة فائقة، ونظرًا لمحتوى الموضوع الذي قد يصنف أحيانًا بأنه مثيرٌ للجدل يتناقله الأفراد بحجة المشاركة، إلا أن هذه الظاهرة تحمل في طياتها سلبيات أكثر من نفعها على اعتبار أن إذ ما ثبت عدم صحتها نكون نحن قد ساعدنا في صناعة شائعة قد تدين متهماً بريئاً، أو تشوه سمعة فاضل، أو تروع قلب هادئ، أو تسيء لإنسان مجتهد، وكذلك العكس؛ على أن لا يفهم من ذلك عدم تفاعل الأفراد مع قضايا الرأي العام، وإبداء آرائهم فذلك يعد حقاً دستوريا أصيلًا، وإنما علينا أن نأخذ الحقيقة من مصادرها، ونسد كل مسار يقصده المفسدون لإضعاف هذا المجتمع، وإسقاط قيمه ومبادئه الطيبة.
لطالما في مقالاتي القانونية السابقة أشير لأهمية الوعي القانوني ومدى تأثيره على المجتمع والفرد، وأنادي بها كمطلب أساسي لجميع فئات المجتمع بمختلف أعمارهم، بحيث إننا نبدأ بتضمينها في مواد التعليم الأساسي؛ لأنه علاوة على أهميتها الاجتماعية والسياسية، فلها أهمية أخرى تتمثل في مساهمتها في تطوير مهارات التفكير والتحليل، فضلًا عن صقلها للشخصية وجعلها تتصف بالاتزان والقوة؛ فالحس الأمني ليس فقط لتفادي الخطر، بل أيضًا لتأكيد سير العلاقات بطريقة سليمة كما تقرها الفطرة، ولضمان تنظيمها واستقرارها ونجاحها، وأن تكون بالمرصاد لكلّ شرارة طفيفة.