خلفان بن ناصر الرواحي
أيها الجبل الأصم
هل تتذكرنا
عندما كنّا صغاراً
وعندما كنّا شباباً
حيث كنّا غداةً
فوق تلك القمم
بين شعابٍ كانت ملاذاً
للطيور وأنغام الحمام
وهل تتذكرنا
عندما كنّا صغاراً يافعين
عندما نرعى الغنم
في صباحٍ أو مساءٍ
مع رفاقٍ أو فرادى
أو حيث كنت برفقة أمي
حيث كانت تأخذني
نبحثُ عن كلأ
أيها الجبل الأصم
هل تذكر عندما
كنت أنادي
أردد صوتاً جلياً
حيث كنتُ أقولُ
“يا بنت الجبل… هل تريدي تمراً أم لبن؟”
ومرة أخرى أقولُ
“هل تريدي خبزاً أم لبن؟”
حيث كانت تلك عادة
تلك عبارات التفاني
حيث رددها الأول
حيث كانوا يسيروا
بين وديان الجبل
وأنت حيث أنت أصمٌ
ولكن يبادلنا صداك
ويزرع فينا الأمل
فلست أدري لماذا
كانت تلك العبارات تقالُ
وتعلمها النشء
في ذاك الزمن
ذكرياتٌ خالداتٌ
واليوم نبكي عليها
والجبال صارت
خراباً أو حفر
حطمتها معدات الحداثة
وأنخرتها ولم تزل
لم يبق فيها حشيشاً
ولا مياهٍ كانت نهر
لم يبق فيها عشّ طير
ولا ملاذاً للوعل
ولا غزالاً ولا سباع
ولا حياة ولا أثر
فأين أجيال الجبال؟!
التي كانت تعشق الترحال
بين جبال شامخات
عند زخات المطر
أيها الجبل الأصم
هل تذكر كيف أجني
وريقات “لَحْلَحْ” عند سفحٍ
أو عند القمم
وأعواد ” الضِّجِعْ” التي
تنبت قرب عشب
وكيف نبحث عن وريقات
” حُمّاضٍ” لنأكل
مع ” سِيدافٍ”
مع حبات سردين مجفف
عند ظلال سدرٍ أو سمر
تلك كانت وجبات القناعة
عندما كنّا جياعاً
أو عند مقيلٍ مِنَ النَّصَبِ
فيا جبالاً رواسي
هل شدني إليك اشتياقٍ
أو حنيني لماضٍ قد أفل
أم تذكرت تلك المعاني
والذكريات لبعض جيلٍ
قد رحل
حيث عشنا بذكرى
بين سفحٍ أو جبل
فليتني أعيد ماضٍ كنت أحيا
بالطفولة أو شابي
عند تلك القمم
فلتعد يا جبل “الحلاة”
أنفاس ذكرى
عشتها في قريتي
بين سهل أو جبل
——————
ملحوظة:
– “الحلاة” يطلق على الجبل الصغير وقليل الارتفاع ومتعارف عليه محلياً في سلطنة عمان.
– كلمات: “لَحْلَحْ” و “الضِّجعْ” و “سيداف” و ” حُمّاض” هي شجيرات جبلية تنبت في جبال سلطنة عُمان، وتأكل ومتعارف عليها محلياً.
