كن رقما صعبا .. لا تنتظر فأس الفلاح
رقية الفورية
يحكى أنَّ أحد الأشخاص أهدى صقرين رائعين لملك من الملوك، ففرح الملك كثيراً بهذه الهدية الثمينة لأنه كان محباً للطيور الجارحة ، ويجد متعة وإثارة كبيرة في مراقبتها ورعايتها ، فأعطاهما إلى كبير مدربي الصقور ليدربهما…!!، وبعد أشهر جاءه المدرب ليخبره أن أحد الصقرين يحلق بشكل رائع ومهيب في عنان السماء ، بينما لم يترك الآخر فرع الشجرة الذي يقف عليه مطلقاً ، على الرغم من محاولات حثيثة من المدرب لجعله يطير .
فما كان من الملك إلا أن جمع الأطباء من كل أنحاء البلاد ليعتنوا بالصقر، لكنهم لم يتمكنوا من حثه على الطيران، بل ازداد الصقر تمسكاً بفرع الشجرة. خطرت للملك فكرة، فأمر بإحضار أحد الفلاحين الذي يعرف طبيعة الحياة في الريف، عسى أن يجد حلاً أفضل من الجميع.. فلما أخبره الملك بقصة الصقر الذي لم يترك فرع الشجرة. قال الفلاح للملك: ستجد الصقر غداً صباحاً يحلق فوق حدائق القصر..
وفي الصباح ابتهج الملك عندما رأى الصقر يحلق عالياً فوق حدائق القصر فسأل الفلاح: كيف قمت بذلك؟ كيف جعلته يطير..؟!!
فأجاب الفلاح بكل ثقة: كان الأمر يسيراً وبسيطاً جداً يا مولاي، لقد قطعت الفرع الذي كان يقف عليه..!!
لم تتغير القدرات الكامنة فالصقر خلق بطبيعته الكاملة المؤهلة له بالتحليق عالياً، ولكن الحاجز الذي كان يقف أمامه عائقاً هو الخوف من تغيير المسار فالوقوف على الجذع أكثر أماناً.
الكل يبحث عن منطقة الأمان والراحة لذلك يحرم الغالبية من الخروج من الصندوق، واكتشاف عالم واسع من خلال المغامرة في المجهول الذي يوسع المدارك والآفاق.
إنها لمهارة غير مألوفة ولا عادية أن يعثر المرء على طريق جديد للإبداع والتميز، فهناك عدة طرق للتفرد، وليست كلها مطروقة، والجديدة منها قد تكون شاقة، ولكنها كثيراً ما تكون طرقاً مختصرة إلى العظمة.
ما سأتحدث عنه اليوم هو حزب النخبة من القادة الذين يدفعون أعضاء فريقهم نحو التحليق عالياً ..
يتصرف مدير المؤسسة على أنه المتفرد في اتخاذ القرار، وكأنَّ المؤسسة هذه ملك يتصرف فيه كيفما يشاء، بينما يبحث القائد عما يقدمه لتعم الفائدة على الجميع فيلجأ إلى التوازن في اتخاذ القرار الذي يعود على المؤسسة بالنجاح وزيادة الإنتاجية. و يستمد المدير نفوذه من المنصب الذي يشغله، فكلما كان هذا المنصب كبيراً كبر معه نفوذه وتصرفه بغض النظر عن كسب حب وود العاملين فيها، وتجمع حوله المطبلون من الموظفين وجامعي الفتن على تكية القهوة الصباحية، فيرى بأعينهم ويسمع بآذانهم، ويحرك قلمه في كتابة التقارير بأيديهم، وهم حزب تكية المدير، وأصعب الإدارات من تولى مسؤولية إدارة المؤسسة وهو من حزب التكية في الأساس، بينما يكسب القائد تعاطف وتقبّل من حوله وحبهم، و تميل الإدارة إلى الرسمية من القيادة وتعتمد على مهارات التخطيط والتنظيم والرقابة، وهي تمثل مجموعة أدوات تقوم على علاقة السبب والنتيجة، أما القيادة الحكيمة فإنها تقوم على رؤية وتبصر لما يمكن أن تكون عليه الوحدة التنظيمية، وتتطلب توليد وتشجيع التعاون وروح الفريق وتحفيزهم باستخدام كافة سبل التأثير والإقناع. وقطع أغصان الملل والرتابة، حتى يحلقون عالياً في سماء الإبداع فتجدهم مخلصين للعمل يعملون بإيجابية وتزيد دافعيتهم نحو حب العمل والإخلاص له.. والأهم من ذلك التخلص من الأحزاب في العمل مهم جداً لبيئة العمل..
لذلك يجب أن تبادر القيادات بانتشال الصقور من الوقوف على الغصن طويلاً، ومساعدتها في التحليق عالياً في السماء دون انتظار فأس الفلاح.