الأحداث التي سبقت التحرير العماني للساحل الإفريقي الشرقي
أحمد بن علي المقبالي
-كانت أفريقيا لفتراتٍ زمنيةٍ طويلة جداً موطناً للهجرات العربية بشكل عام، والعمانية بشكل خاص، فأقاموا المدن المزدهرة على طول الساحل الأفريقي، وتوغلوا إلى أقاصي الداخل الأفريقي، ومما شجعهم على هذه المخاطر هو ما تتمتع به القارة الأفريقية من مقوماتٍ اقتصادية وثرواتٍ هائلة، وكذلك الطبيعة الخلابة بعيداً عن جفاف وحرارة وفقر الجزيرة العربية، وقد تعايش العرب مع القبائل الأفريقية بسلامٍ واحترامٍ متبادل، حتى جاء البرتغاليون في رحلتهم الاستكشافية الأولى بقيادة فاسكودي جاما عام ١٤٩٧م.
كان الهدف المعلن هو توسيع التجارة البرتغالية ولكن الحقيقة كانت غير ذلك تماماً، وهو استعباد الشعوب وامتصاص ثرواتهم وخيرات بلدانهم، وبعد الاحتلال البرتغالي للمدن العربية في أفريقيا بشكلٍ خاص، لما تتمتع به من ثروات اقتصادية.
حاولت بعض المدن الأفريقية الثورة على الاحتلال كما حدث في الوطن الأمّ عمان ولكن للأسف تمّ القضاء عليها كلها، وارتُكبت مجازر بشعة في حق سكانها الثائرون مثل موزمبيق وممباسا وزنجبار وغيرها من المدن، وتمّ فرض ضرائب باهظة على المدن المحتلة ومضاعفتها على المدن الثائرة.
👈 التدخل العثماني ومحاولاتهم تحرير أفريقيا من البرتغاليين:
في عام ١٥٨٥م أرسل العثمانيون سفينتين حربيتين إلى أفريقيا بقيادة مير على بك ولكن القائد العثماني واصل رحلته بسفينة واحدة فقط بعد أن وجد إحدى السفينتين غير صالحه للإبحار، وقد أبحرت الحملة من ساحل الحجاز إلى مقديشو وعندما التقى القائد العثماني بأهالي وأعيان مقديشو أخبرهم بأن رحلته استكشافية فقط، وأن أسطول الدولة العثمانية قادم خلفه ويعتبر هذا ذكاء من القائد مير على بك لبثّ الأمل في نفوس السكان، وواصل العثمانيون مسيرهم إلى شرق أفريقيا، وفي الطريق تمكنوا من الاستيلاء على سفينة برتغالية كانت تحمل بضائع نفيسه بقيادة روك دي بريتو وألقي القبض عليه في مدينة لامو وأُرسلَ إلى إسطنبول.
في الطريق إلى باتا استولى القائد العثماني على سفينة تجارية برتغالية أخرى، وقد استُقبل في مينائها بحماسةٍ بالغة، وقد غيّرت الكثير من المدن ولاءها من الملك المسيحي فليب الثاني إلى السلطان المسلم مراد الثالث ومن هذه المدن ممباسا التي طلب شيخها من القائد العثماني بناء قلعة وتزويده بحامياتٍ عثمانية، ولكن بسبب ضعف القوة التي يقودها مير على بك اضطرّ للعودة إلى إسطنبول وذلك في سنة ١٥٨٦م ومعه خمسون أسيراً برتغالياً والكثير جداً من الغنائم، وقد قام سلطان ماليندي بإرسال رسالة إلى نائب الملك البرتغالي في العاصمة البرتغالية في جوا الهندية دوم دوراتي دي مينزيس يعلمه بالأحداث التي وقعت بعد زيارة القائد العثماني وعلي إثر هذا الرسالة أرسل القائد البرتغالي حملة عسكرية مكونة من ١٨ سفينة حربية بقيادة مرتيمو أفونسو دي ميلو بومبار فبدأ بمهاجمة ممباسا وأحرقها وخضعت له باقي المدن طوعاً مثل لامو وباتا وفازا وبعد أن وصلتهم الأخبار من ممباسا ورغم ذلك إلا أن البرتغاليين أبَوا إلا أن يمارسوا هوايتهم المفضلة من قتل ونهب وإحراق للمدن وهذا ما فعلوه في فازا مثلاً.
في عام ١٥٨٩م أعدّ القائد مير علي بك أسطولاً صغيراً وضعيفاً مكوناً من خمس سفن، وانطلق من ميناء مخا اليمني إلى مدينة ماليندي الموالية ولاءً تاماً للبرتغاليين، لذلك قاومت المدينة بكل قوتها أسطول العثمانيين الضعيف أصلا” ولم يستطع مير علي بك الاستيلاء على المدينة.
بعد فشله في ماليندي توجّه القائد العثماني إلى ممباسا، واستقرّ فيها وأخذ يتجهز لمهاجمة ماليندي مرّةً أخرى انطلاقاً من ممباسا، وفي هذه الأثناء أعدّ حاكم الهند البرتغالي دي سوزا كوتينهو أسطولاً مكوناً من ٢٠ قطعة حربية بقيادة أخيه تومي دي سوزا كوتينهو ووصل ممباسا في مارس ١٥٨٩م حيث كان العثمانيون متحصنين فيها، ومن سوء الحظ العاثر للعثمانيين تزامن وصول الأسطول البرتغالي مع وصول قبيلة وازيمبالا الآكلة للحوم البشر وتمّ الهجوم على المدينة من جهتي البرّ والبحر، ومن لم يقع في أَسر البرتغاليين قُتل على يد أفراد قبيلة وازيمبالا، وللأسف تمّ أسر الجنود العثمانيين، ومن ضمنهم القائد مير علي بك الذي أُرسل إلى لشبونة وفيها توفي رحمه الله.
في عام ١٥٩٤م قام البرتغاليون ببناء قلعة ممباسا على اعتبار أن مشاكلهم دائماً ما تبدأ منها وأخذ البرتغاليون طفلاً اسمه يوسف حمد من بيت سلاطين ممباسا وأرسلوه إلى الهند حيث تمّ تعليمه وتثقيفه وتنصيره على أيديهم وعندما مات أبوه نصّبوه في مكانه، ويعتبر هذا الأسلوب من أخبث الطرق للسيطرة على الشعوب، ولكن قدرة الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء، فقد حصل تضاغنٌ وكُرهْ شديد وخصام وشجار بين السلطان يوسف والوالي البرتغالي في ممباسا.
في عام ١٦٣٧م ونتيجةً للحقد بين السلطان والوالي هجم السلطان يوسف على الوالي البرتغالي وقتله مما أدى إلى قيام ثورة عارمة ضد البرتغاليين الذين التجؤوا إلى ديرٍ لهم هناك، ولكن الأهالي هاجموهم وقتلوهم عن بكرة أبيهم، وبعد الثورة التي حصلت في ممباسا حدثت ثورة عارمة ضد البرتغاليين على طول الساحل الأفريقي الشرقي مثل ممبا وماليندي.
استطاع البرتغاليون بقيادة فرانسسكو أودي سيسكاس وكابريرا القضاء على هذه الثورة، وتم قتل قادة الثورة ورجالها، ومارس البرتغاليون في المدن الأفريقية وخاصةً العربية منها شتى أنواع التنكيل والتعذيب والتقتيل وهنا أدرك سكان الساحل الأفريقي الشرقي بأنه لا يمكن لهم الاعتماد على المساعده العثمانية لتحريرهم من الاحتلال البرتغالي، لذلك تطلّعوا إلى فارس لتحريرهم، ورغم امتلاك الفُرس القوة البشريهة والمالية والعسكرية إلا أنهم خيبوا ظن وأمل من طلبوا مساعدتهم، لأن أسلوب الفُرس يختلف عن العمانيين، فقد كان العمانيون يجاهدون ضد الوجود البرتغالي بينما الفرس يحاولون الارتباط بالسياسات الأوربية من زاوية المصالح الاقتصادية والسياسية أيضاً، حيث انشغلوا بمصالحهم الخاصة بدلاً من تقديم المساعدة للمحتاجين لها، وكذلك خشيتهم من إغضاب الدول الأوربية وحتى يتسنى لهم تسيير شؤونهم جنباً إلى جنب مع الدول الأوربية.
((أما المنقذ الحقيقي والذي يُعتمد عليه في الملمات والصعوبات فهم العمانيون أصحاب الشجاعة والحرب وأهل النجدات والحمية والغيرة وهذا ما سوف نتكلم عنه في المقال القادم بإذن الله تعالى))
المصادر: –
– المقاومة العمانية للوجود البرتغالي في الخليج العربي والمحيط الهندي (( ١٥٠٧م – ١٦٩٨م ))
المؤلف: –
أحمد بن حميد التوبي