2024
Adsense
مقالات صحفية

مبدأ وجوب إتقان العمل

الدكتور: سعيد بن راشد بن سعيد الراشدي31 /12/ 2020 م

الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين الهادي الأمين محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وبعد:

إن عمارة الأرض لا تكون إلا بقيام الإنسان بدوره الفاعل والكبير في مجتمعه، وقيامه بتأديته لمختلف الأعمال في حياته لبناءِ، وتعمير، وتطوير الأرض وما عليها، حيث إن للعمل أهميةٍ كبيرة في حياة البشرية، وهو من أهم الاعمدة الأساسية والقوية لبناء الحضارات وبناء الأمم والشعوب.
وها أنا أعودُ لأعرجَ على مبدأ آخر من المبادئ الإدارية الهامة والتي قامت عليها الإدارة من منظور إسلامي، حيث أتطرق في مقالي هذا بعونٍ من الله وتوفيقه إلى مبدأ وجوب إتقان كل منا للعمل الذي يقوم به. من خلال ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من تعاليم وتوجيهات ربانية ومواقف نبوية شريفة، التي نعتبرها من الدعائم المتينة والقوية للإدارة الحديثة في عصرنا هذا بصورة عامة؛ لما لذلك من جوانب إيجابية كثيرة تتحقق من إتقان الفرد لأعماله التي يقوم بها في مختلف جوانب حياته، وديننا الإسلامي الحنيف إنما هو دين القيم والمُثل العليا، ودين العمل والإتقان والجدية لكل الأعمال التي يقوم بها الإنسان لسعادته وسعادة البشرية جمعاء.
وهنا وددتُ أن أتطرق بدايةِ إلى معنى إتقان العمل بأبسط صوره حيث يمكننا أن نُعرفه
بأنه: القيام بالعمل بكل همةِ ونشاط وجدِ واجتهاد، دون نقصان أو تقصير فيه من خلال استخدام كل الطرق والأساليب المُعينة لتحقيقه بصورة جيدة في فترة زمنية محددة يُستفاد منه ويعود بالنفع على صاحبه ومجتمعه.

ولقد جاء في القرآن الكريم ما يبين ويوضح أهمية وجوب إتقان العمل، ويحثُ على أهمية ذلك. حيث يقول المولى جلت قدرته في محكم التنزيل:
” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” سورة التوبة 105.
ويقول جل وعلا أيضاً: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ” الآية 15 من سورة الملك.
وقال أيضاً سبحانه وتعالى: “إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا” الآية 107من سورة الكهف.
أما في سيرة المصطفى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإننا نقتبسُ الكثير والكثير من المواقف المحمدية الشريفة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحثنا وتحفزنا على العمل وتبين لنا أهميته العظمى في حياتنا، وتوجهنا بالابتعاد عن سؤال الناس، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لَأَنْ يأخذَ أحدكم حَبْلَهُ، فيَأْتِي بحِزْمَةِ الحطبِ على ظهرِهِ فيَبيعها، فيَكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ، خيرٌ لهُ من أن يسألَ الناسَ، أعطوهُ أو منعوهُ”.
وأيضاً قال صلى الله عليه وسلم: ” إن الله يحب إذا عمل أحد كم عملاً أن يتقنه”.
كذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهناك الكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحفز على العمل الشريف وإتقانه، كذلك لنا في علماء المسلمين الأوائل أمثال: الخوارزمي، وابن سينا، والإدريسي، وغيرهم العديد من العلماء المسلمين الذين جمعوا علوماً كثيرة في كــــل المجالات مثل: الفلك والطب والهندسة وعلوم أخرى كثيرة القدوة الحسنة التي تغرس في نفوسنا حُب العلم وحُب العمل.

وهنا يتجلى لنا من خلال الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة والقدوة الحسنة لعلماء المسلمين الأوائل أهمية السعي في طلب الرزق، وتأدية الأعمال بمختلف أنواعها بكل إتقان وهو دليل واضح على توجيه ديننا الإسلامي الحنيف وحثه على السعي في طلب الرزق من خلال تبني وقبول مختلف الأعمال المناسبة لكلٍ منا، وحسب قُدراتنا وإمكاناتنا، ونبذ التكاسل والتراخي عن طلب الرزق والعمل، وعلينا أن نكون إيجابيين في أداء أعمالنا، وأن نقوم بها على أكمل وجه وبكل همة وإتقان. ويمكن لنا هنا أن نذكر بعض الجوانب الإيجابية المترتبة على إتقان العمل والتي تتمثل في:
• وعدَ المولى جلت قُدرته عباده بالثواب العظيم إذا ما أحسنوا في أعمالهم.
• يعيش الإنسان حياة كريمة في مجتمعه.
• تُعمر الارض وتُبنى الحضارات الإنسانية في مختلف البقاع.
• تتقدم المجتمعات وتتطور من خلال قيام كل فرد بواجباته في مجتمعه، وتبنيه لمختلف الأعمال والقيام بها بكل همةِ وإتقان.
لذا يتوجب على الإدارات المعاصرة أن تتبنى هذا المبدأ الإداري الهام – مبدأ إتقان العمل – في مؤسساتها؛ لما لذلك من فوائد عديدة تعود بالنفع والفائدة على الجميع. وهنا بعض الإجراءات التي نراها تساعد في تحقيق هذا المبدأ الإداري الهام والتي تتمثل في:
• تبني متخذي القرار الأساليب الإدارية والتقنية الحديثة مع العاملين في المؤسسة.
• غرس القيم الحميدة في نفوس العاملين بالمؤسسة ومنها قيمة العمل وإتقانه.
• توجيه العاملين ومتابعتهم لأداء أعمالهم بكل دقةٍ وإتقان، وإنه أمانه في أعناقهم.
• الاهتمام بالجوانب التعزيزية والتحفيزية في المؤسسة لما لذلك من جوانب إيجابية عديدة في نفوس العاملين، والمؤسسة بصورة عامةً.
هذا وبالله التوفيق.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights