أللامركزية الإدارية ودورها في التنظيم الإداري (الحلقة الثالثة)
الدكتور: طالب بن خليفة الهطالي
Talib.oman@hotmail.com
ومبدأ وحدة الأمر بمعنى أن يتلقّى كل عامل الأوامر والتعليمات من رئيس واحد فقط خشية الازدواجية في العمل ومبدأ وحدة التوجيه، بحيث يكون كل رئيس مسؤول عن برنامج معين من النشاطات. ويُعتَمد في تنفيذ العمليات على أساس مركزي بالصورة المطلقة النسبية حينها تأخذ نمط التنظيم الإداري المركزي، أو تفويض السلطات تفويضا جزئيا أو كاملا باستخدام نمط التنظيم اللامركزي في الإدارة، ويرى البعض الآخر ضرورة استخدام النمطين المركزي واللامركزي للتنظيم الإداري في قالب جديد يلعب دورًا واضحًا في مشاركة أبرز القوى والكفاءات البشرية في عملية اتخاذ القرار وذلك ضمن النمط التشاركي في الإدارة، وفي هذا الصدد فإن بعض الدول أثناء ممارستها للوظيفة الإدارية فإنها تخلط بين أسلوبين هما المركزية (Centralization) التي تركز في حصر الوظيفة الإدارية بيد سلطة المركز الرئيسي، ويقصد بها حصر كافة السلطات الإدارية في أيدي الرئيس الأعلى أو المسؤول ويطلق عليها التركيز الإداري أو ما يسمى “بالمركزية المشددة”، وأحيانًا أخرى تأخذ المركزية صورة عدم التركيز الإداري، التي يتم فيها تخويل بعض السلطات إلى المستويات الإدارية المختلفة في المركز الرئيسي لإصدار بعض القرارت في القضايا ذات الطابع المحلي بغية تخفيف الأعباء الملقاة على عاتق الأخيرة وهو ما يسمى “بالمركزية المعتدلة”.
اللامركزية (Decentralization):
ففي ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها دول العالم وجد ضرورة تبني منهج لامركزي في إدارة شؤون الدولة انطلاقاً من كون اللامركزية أداة تنموية تساهم في عملية صنع الكفاءات البشرية وتسهم في تنمية المجتمع المحلي بما يحقق الفائدة، فلم تعد الأنظمة المركزية ذات جدوى في ظل التغيرات الدراماتيكية في النظام الحكومي والاقتصادي، فقد نشطت الحركة الديمقراطية السياسية، وانتشر مفهوم ممارسة التوجه نحو خيار السوق الحر لتخطي المشكلات الاقتصادية وما أفرزه هذا التوجه من مظاهر الخصخصة وتنازل بعض الحكومات عن الكثير من مهامها التقليدية وتكليف المؤسسات اللامركزية والقطاع الخاص للقيام بها. وتعدّ اللامركزية الإدارية (Decentralization Administration) من الأساليب الحديثة للتنظيم الإداري وتجويد العلاقة بين مختلف المستويات الادارية، وهي أداة لتحقيق الديمقراطية في المؤسسات التي تسعى لمواجهة الضعف في الأقاليم والجهات الأخرى، وهو أسلوب لتوطيد العلاقة بين السلطة والمواطن، وعليه فاللامركزية الإدارية تساهم في تحقيق الإدارة التفاعلية والعدالة الاجتماعية والمؤسساتية.
لقد تباينت النظرة لمفهوم اللامركزية الإدارية فقد رآها رجال الاقتصاد الذين تشبعوا بأفكار الليبرالية الجديدة بأنها وسيلة لنقل السلطة من الدولة المركزية، بينما نظر إليها أنصار التعددية السياسية على أنها الأداة التي يمكن من خلالها منح جماعات المصالح قدراً من الحرية والقدرة على التنظيم والمنافسة، في حين اعتبرها بعض قادة النظم الدكتاتورية على أنها الأسلوب البديل للديمقراطية على المستوى القومي، ووسيلة مجدية للحصول على الشرعية والمساندة من الوحدات في المستويات الأدنى، أما الساسة الديمقراطيون فقد وجدوا أنها الوسيلة الفاعلة للضغط على الحكومة للاستجابة لرغباتهم واحتياجاتهم وأولوياتهم المحلية، فقد ذاع مصطلح اللامركزية في أوروبا بسبب التقاليد السياسية والإدارية المختلفة، والانقسامات آنذاك على الرغم من أن البلدان الأوروبية نفّذت في العقود الأخيرة سياسات نقل السلطة من أجل معالجة مشاكل سياسية واجتماعية وبيروقراطية مختلفة، كما طبّق البعض الآخر إصلاحات اتحادية أو شبه اتحادية، وقامت اللامركزية في أوروبا على متغيرات مختلفة تشمل التاريخ والتنظيم الإقليمي والتوترات السياسية واستقلالية الحكومات ووظائفها واختصاصاتها، فقد ظهرت اللامركزية للمشاركة في تعزيز وحل المشاكل الإقليمية، وتؤكد بعض الدراسات أن من الأسباب التي تقف وراء ظهور اللامركزية الإدارية هي المناداة بالديمقراطية، وضرورة مشاركة وتعاون المجتمع المحلي، والابتعاد عن البيروقراطية الإدارية، وتنوع مصادر التمويل والدخل، واستغلال الموارد المحلية المتوفرة، والعدالة المجتمعية والمؤسساتية، إضافة إلى الرغبة في اتخاذ القرارات في السرعة الممكنة، كل هذا من شأنه تعزيز الصبغة الديمقراطية للنظام الإداري للسلطات المحلية كونها تقود إلى إشراك السكان وجعل المسؤولين عن الهياكل الإدارية منتخبين.
وبما أن اللامركزية كانت وما زالت مطلب حيوي لكافة الشعوب فهي تعني في أبسط معانيها بأنها: اختصار المسافة وتضييق الفجوة بين المواطن ومركز القرار، وتوفير الفرص التي تضمن المشاركة في عملية اتخاذ القرار؛ خلافاً لما هو سائد في الأنظمة التي تتبع الأسلوب المركزي التي تضع السلطة والقرار بيد المركز الرئيسي، وتعتمد اللامركزية الإدارية على مبدأ تقسيم المسؤوليات وتشتيت الصلاحيات بين المستويات الإدارية الثلاثة بما يتناسب وطبيعة العمل، وهذا يؤكد أن اتباع النظام اللامركزية يستدعي وجود إدارة مستقلة عن السلطة الإدارية المركزية، وهذا الاستقلال لا يعني بالضرورة إعفاء تلك المحليات من ممارسة الحكومة (المركز الرئيسي) حق الرقابة والتوجيه والإشراف.
وينظر لنظام اللامركزية على أنه من مقومات الحكم الرشيد القائم على توفير الفرص للكفاءات البشرية في مشروع صنع القرار انطلاقاً من إيمانهم بأن الناس في مجتمعاتهم المحلية هم أدرى بحاجاتهم وأعرف بمطالبهم، كما تسعى اللامركزية بصفة إلى تسريع وتيرة العمل، وتبسيط الإجراءات فضلاً عن أنها توفر الاهتمام بالقضايا القومية الأساسية وصياغة السياسات العامة، وتعمل على صنع الكفاءات وتشجّع الجهود للتعاون والمشاركة الفاعلة في دفع العجلة التنموية، والحد من الأعباء الإدارية والمالية على الحكومة المركزية، كما أنها تقف بجانب الوحدات المحلية لمساعدتها على تقديم خدمات عامة بجودة عالية، إضافة إلى ذلك فإنها تساهم في تحقيق الاستقلال المالي والإداري للوحدات المحلية، وتساهم في تحمل مسؤولية التخطيط واتخاذ قرار ومنح التمكين(1).
ويمكن القول أن اللامركزية الإدارية(2.1) هي التبعية الإدارية فالأجهزة الإدارية في الدولة لا ترتبط بشكل رأسي، وإنما تتدرج بشكل هرمي في الجهاز الإداري الذي يحدد علاقتها يبعضها بصورة تكفل القيام بالوظيفة الإدارية على النحو المطلوب ولا تكون هناك منازعة لاختصاصات المركز الرئيسي، أو اختلاف أو تعارض في الأهداف العامة للدولة والقرارات الدستورية أو التشريعية أو القضائية، وهنا نجد أن اللامركزية الإدارية هي جزء أساسي من السياسة العامة، فقد ظهرت كاستراتيجية في الدول المانحة لدحض الفقر والحد من انهيار الاقتصاد، وتحقيق التوازن بين المركزية واللامركزية وتركيز الإدارة العليا التركيز على العوامل التي قد تؤثر على كفاءة المرؤوسين، وضمان ديناميكية العمل وتحفيز العاملين وتشجيعهم على الابتكار والإبداع والتطوير، فكل ذلك لا يتأتّى إلا من خلال تفويض السلطات ومنح الصلاحيات اللازمة للمستويات الإدارية الأخرى.
وبما إنَّ التنظيم الإداري هو أحد موضوعات القانون الإداري، وفرعٌ من القانون العام الداخلي، وبما أن اللامركزية الإدارية تأتي ضمن التنظيم الإداري التي تقوم على تشتيت الصلاحيات على المستويات الإدارية بما يتناسب والاختصاص الوظيفي بغية توفير المناخ المناسب لإنجاز الأعمال الموكلة إليهم، وعدم تجميعها في مكان وسلطة واحدة نجد أنهما مكملان لبعضهما البعض لما فيهما من مزايا تساعد على إنجاح العملية الإدارية وضمان ديمومة التطوير والنمو وتحقيق أعلى معدلات النجاح والرضا الوظيفي.
1- د.طالب الهطالي. التمكين الإداري، جريدة الوطن. العدد: 13401/2020. السنة 50. سلطنة عمان:
الحلقة الأولى: https://alnaba.news/?p=47291 ، صحيفة النبأ الإلكترونية.
الحلقة الثانية: https://alnaba.news/?p=47634 ، صحيفة النبأ الإلكترونية.