خربشات مجنونة
إلهام السيابي
في لحظةٍ من اللحظات، وأنت منشغلٌ في عملٍ ما، تتراود عليك الأفكار تباعاً وكأنك تريد أن تخرجها من رأسك المُتعَب، حديثٌ طويل لا يستطيع عقلك أن يترجمه، بل يجب أن تخطّه يداك على أوراقٍ مبعثرة أمامك، وأحياناً كثيرة تسجّلها في مفكرة هاتفك لتعود إليها متى تشاء، وتستطيع أن تغيّر فيها كيفما تشاء، فتصبح معبّرة أكثر من ذي قبل، وأحياناً كثيرة تنساها بين الأوراق المنسية التي تناثرت أمامك ولا تعرف لِمَ كتبتها ولمن، وتحاول أن تتذكر ولكنك لا تستطيع.
ولكن الأفكار المجنونة تأتيك دائماً وأنت غير مستعدّ لها، فهي عفوية وبسيطة الطرح، ولكنها تحمل في طيّاتها الكثير من التساؤلات التي تحتاج إلى تفرّغ وهدوء، وأنت في ذلك الوقت لا تحمل قلماً ولا هاتفاً لتستطيع أن تحتفظ بكلّ تلك الأفكار و الكلمات التي تضجّ في رأسك، تكاد تفتك به وتقتلعه من مكانه، وعندما تجد القلم أو هاتفك المحمول تجد كلّ الكلمات أصبحت هباءً منثورا، أصبح عقلك فراغاً مجوفاً لا يحمل في جعبته أيّ معنىً، تحاول أن تلتقط أنفاسك، وتعيد التفكير من جديد، لتصل إلى فكرة أو مشكلة بحاجة إلى حلّ، ولكن الأمر أصعب من ذلك، فخواطرك كانت مستعدّة لبثّ مشاعر مختلفة لتعيدك من عالَم الغيب لعالَم الحقيقة، فقد كنت تهيم في سماء الكَون الواسع كطيرٍ مهاجر يسافر من بلدٍ لبلد، ليجد ملجأه في بلدٍ آخَر، فيحمل الخوف معه، لا يعرف إلى أين سيوجّهه الله وإلى أين ستحمله جناحاه، سيتخطّى البحار والمحيطات والشواطئ والآمال والأحلام، ويتعرف على مختلف الطيور التي تطير معه، تُرى أين ستحط رجليه؟ هل ستبقى أفكاره حبيسة الماضي القديم الذي لا ينتهي؟ ويبدأ بأفكارٍ جديدة ليستعيد معها نفسه، هل سيترك نفسه تتخبط في أمواج البحر المتلاطم؟ التي تضربها أجنحته بكلّ قوةٍ وعنفوان، فيثقل جسمه النحيل المُنهك من سفرٍ بعيد، فتلتقطها الشّبَاك المتينة وتسحبها لأعماق وأغوار ذاك البحر الثائر عليه، سيرميه في جوفه، وستستلذّ أسماك القرش بطعمه الغريب، أم هل سترحل للبعيد، لعالَمٍ آخر، عالم جميل، تستطيع أن تميز أصوات العصافير المطمئنة، وأمواج البحر الهادئ.
رأسي يؤلمني من كثرة التفكير والقيل والقال، ماذا علي أن أفعل، كيف أوقف ذلك الثرثار المتسلل إلى رأسي ويحاول أن يسيطر على شخصيتي وأحلامي وآمالي، كيف لي أن أنبذه للبعيد؟
هل أتركه يعيش ما عشته في خِضمّ تلك المشاكل التي واجهتها ولم يمدّ لي يد العَون، بل تركني وحيداً ، ضعيفاً، مكسوّةً بالذلّ والفقر، والآن عندما وصلت لمستوىً من السلطة والمال والثقة بالنفس، جاء ليتحكم بي.
كيف لي أن أمدّ يد العون لغيري، وهو لم يساعدني وقت حاجتي؟ لم ينظر لذلك الفقير الذي أذلّه وكسر أجنحته بل تركه مرمياً على الأرض، ليبقى كسيراً حقيراً محتاجاً له.
الآن عندما زرقني الله من خيره وفضله تريد أن أعطيه؟ بمسمى ماذا؟ الكرم؟؟ المعاناة؟ أجل لقد عشت تلك المعاناة ولا أريد لأحد أن يقع بها، ولكنه لا يستحق أن أساعده، وإن ساعدته فلا أريده أن يعرف أنني صاحب الفضل عليه، ليبقى صقراً محلقاً، فيعود قوياً، لأنه عمل بيديه اللتين كانتا لا تعرفان العمل، وطاف بقدميه طُرقاً جديدة لينال على استحسانٍ ورضى من حوله بأعمالٍ ليمدّ للناس الخير فيمدّ الله له التوفيق والنجاح في مسعاه.