الفيضان الغاضب
حمد بن سعود الرمضاني أبو سلطان
ترتعد السماء بجلجلة اصواته المرعبة، ويشتعل وهج بروقها بامتداد الفضاء الفسيح، يلمع بسرعته الخاطفة من خلف الجبال الشاهقة، يرتد صدى انعكاسه على جدران بيوت الحي، تنهمر شلالات سهام السماء بضرباتها الموجعة الهالكة، مخترقة ستارات الأمكنة، من طرق وأزقة وأودية، تتسرب إلى أعماق خبايا البيوت المحصنة، والقصور المسيَّجة بأحلام الأمان، تحيطها حدائق وارفة الخضرة وبرك تشرق بلآلي الجمان، استلت جميعها من مخابئها البعيدة عن أعين العامة، وتعرَّت بهياكلها الهشة، تنهار كأضرحة البيوت الهالكة، لم يفلت من قبضتها أحد، الكل مذنبون، البكم ركب الأفواه، والران غلف القلوب والأفئدة، وأصمت الآذان عن سماع الحقائق الصاعدة من أفواه المحرومين، المعذبين، المشردين، في البراري وأصقاع الأدغال، في صحاري التيه، وأكواخ الرذيلة وكهوف الرعب، ومقاصل الموت.
جائحة مسحت كل جماد وحي يعترض مجراها، دون استئذان، تراقصت طبول هيجانها حتى الفجر، أزيز رياحها الغاضب يقتلع الأرض من منبت سكنها، وينسف تيجان الأبراج العالية من قممها، ويردي شموخها وكبريائها إلى حطام الأرض، ساحقا كل متحرك على أديم الأرض وتربتها.
أعلنت انتصارها الباهر مع إطلالة وميض الفجر، طوت على حقبة من البشر بين التشرد والركام، بعد أن سأمت السماء من بطر البشر، وخنوع البعض للتعصب وإشعال نار الخطر، قمع ترامت نباله على من لامست جباههم تراب الأرض، بينما هناك شكوى وألم وفيض من دموع تهز سكون ظلمات الليل الحالك، تتسامى مخترقة عنان السماء، تجعل من كائنات الكون تعتصر إحساسا وألما ونحيبا، وما هي إلا لحظات لينزل الحكم قاصما من جبار السموات والأرض، مخلصا الأرض وما حوته من ذنب ملأ الكوكب حيرة ودمارا و قهرا. فإن الله إن أمهل يوما، فلن يهمل ولو طال الزمن.