التحول الرقمي في ظل الثورة الصناعية الرابعة
صالح بن محمد خير الكعود
باحث وطالب دكتوراه في تنمية الموارد البشرية
الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا
يُقصَدُ بالثّورة الصناعيّة الاتجاه نحو الإنتاج باستخدام الآلات الصناعيّة المُؤَتمتة بَدلاً من الإنتاج بالاعتماد على العمل اليدوي للإنسان، وهي ثورةٌ كان لها الأثر البالغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء في أوروبا أو خارجها.
مرّ العالم الحديث بثلاث ثوراتٍ كان كلّ منها كفيل لأن يغيّر العالم من بعده، وهذه الثورات هي على الترتيب:
1. الثورة الصناعية الأولى بدأت باكتشاف المحرك البخاري في الربع الأخير من القرن الثامن عشر في أوربا وأمريكا، الذي نقل الاعتماد من الجهد العضلي البشري إلى استخدام الطاقة الميكانيكية التي تولّدها المحركات التي تعمل على البخار.
2. وأما الثورة الصناعية الثانية فأحدثتها الكهرباء في آواخر القرن التاسع عشر، التي تطورت فيها صناعة المحركات، وأدت بدورها إلى تطور وسائل النقل وخطوط الإنتاج وظهور الهاتف والمصباح الكهربائي والفونوغراف ومحرك الاحتراق الداخلي.
3. الثورة الصناعية الثالثة بدأت في النصف الثاني من القرن العشرين، أحدثتها الرقمنة(Digitization) والمعالجات الدقيقة والشبكات، ومن مفرزاتها ظهور الحواسيب والآلات المبرمجة والثورة في عالم الاتصالات، وظهور محركات البحث والتواصل العملاقة مثل( Google, Twitter, Facebook ).
4. الثورة الصناعية الرابعة التي بدأت انطلاقاً من الثورة الصناعية الثالثة، والتي من أبرز مفرزاتها انترنت الأشياء، الذكاء الصناعي، الريبوتات، المركبات ذاتية القيادة، الطابعات ثلاثية الأبعاد، تكنولوجيا النانو والتكنولوجيا الحيوية، ومن أبرز ما تختلف هذه الثورة عن سابقتها أنها ثورة الرقمنة الإبداعية.
الثورة الصناعية الرابعة هي التسمية التي أطلقها المنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، في عام 2016م، على الحلقة الأخيرة من سلسلة الثورات الصناعية، التي هي قيد الإنطلاق حالياً.
هذه الثورة ستغيِّر بشكلٍ أساسيّ الطريقة التي نعيش ونعمل ونرتبط بعضنا بالبعض الآخر بها، يقول كلاوس شواب، المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى، في مستهلّ جدول أعمال المؤتمر لسنة 2016م:
“إن حجم التحوُّل ونطاقه وتعقيداته، سيكون مختلفاً عما شهدته البشرية من قبل”، لا ريب أن لهذا الخطاب معنىً عميقاً لم نكن لننتبه إليه بشكل كبير إلا بعد بدايات العام الحالي 2020 والتي أجبرنا فيها الوباء COVID-19 على تتغير اسلوب حياتنا ومعيشتنا وعملنا وكل تفصيل في جزئيات حياتنا.
في إحصائيات مثيرة لإحدى الدراسات الحديثة للدكتور (Paula Caligiuri) وآخرون، كشفت أن نسبة 88% من الشركات طلبت من موظفيها العمل من منازلهم، والمشكلة التي ظهرت أن نسبة 22% منهم فقط كان قادراً على التعامل مع المتغيرات الجديدة لا سيما التعامل مع التكنولوجيا. بينما ظل مانسبته 78% غير قادر على التعامل مع بيئة العمل الجديدة.
شركات كبيرة مختصّة في الحقل الأكاديمي مثل “LinkedIn” أظهرت أن هناك مهنٌ اختفت وهناك مهن جديدة ظهرت بعد تفشي هذا الوباء، كما أظهرت أن المهن التقنية أخذت الحيّز الأكبر في إعلانات أصحاب الأعمال على موقع الشركة.
كما كشفت بيانات الشركة أن نسبة المتدربين على برامج الموقع تضاعفت 3 مرات بعد ظهور الوباء.
في ظل هذه التطورات المفاجئة لم يعد التعامل مع التكنولوجيا أمراً اختيارياً بل أضحى أمراً مُلحاً وحيوياً على كل المستويات، الأفراد، الشركات، والحكومات. وأن من يتخلف عن اللحاق بركب التطورات الطارئة سوف يخرج من دائرة المنافسة ويصبح من الماضي.