الصبر عند الشدائد
خلفان بن ناصر الرواحي
إنَّ مما لا شك فيه إنَّ الصّبر على الابتلاءات والشدائد هي بمثابة التربية للنفس البشرية، وقد أختصها الله عز وجل لعباده المؤمنين. فهي عند المؤمنين سببٌ لرفع الدرجات في الآخرة عند لقاء الله، فقد قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الزمر: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)}. وكما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في قوله:(عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ). رواه مسلم.
قد تختلف الابتلاءات وتتنوع، ولكن يظل الاختلاف في التعامل وقوة التحمل والصبر من شخصٍ لآخر وفقاً لنوع الابتلاء وقوة التحمل، ويتصدرها قوة الإيمان بالله واليقين بقضاء الله وقدره، حيث جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله : (أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ).
وإذا أبتلي الإنسان بمرض أو نزلت به مصيبة فصبر عليها فحمد الله عز وجل واسترجع عمله، وأناب وأخلص وتضرع في الدعاء، وتذكَّرَ نعم الله عليه وقت الرخاء إلا أعطاه الله من الأجر ما لا يعلم، ولنا في صبر أيوب عليه السلام خير دليل ومثال على ذلك في تحمله وصبره، ولما أعطاه الله سبحانه وتعالى من جزاء في دنياه وآخرته.
وتلك هي حقيقة الدنيا الفانية التي نسعى فيها، فهي دار بلاء وامتحان، وظل زائل ومتاع مغرٍ ونافد، فما من إنسان في هذه الدنيا إلا ولا بد أن يواجه فيها مرضاً وعافية، وسروراً وحزناً، وسراء وضراء، فمدبرها هو واحد أحد، وله مقاليد الملك والتصرف كيفما يشاء، ويختبر عباده كيفما يشاء، فقد قال تعالى في سورة الملك : {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)}، وقال سبحانه أيضاً في سورة الكهف: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)}.
فكهذا يجب علينا أن نتحلى بالصبر، فإذا صبر العبد واحتسب وتوكل على الله وأخذ بالأسباب؛ كُتب عند الله من الصابرين. ويكفي الصابرين شرفاً أنهم في معية الله وحفظه ورعايته، قال تعالى في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)}.
فينبغي علينا نحن معشر المسلمين خاصة أن نتعلم هذا الخلق الرفيع، وأن نتمسك بالكتاب الكريم والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة والأسوة الحسنة في التحمل والصبر على الابتلاء والشدائد.