المنصات التعليمية والتحديات
هلال بن حميد المقبالي
في هذه الأيام الاحتفالية التي تعيشها السلطنة، احتفالية العيد الوطني الخمسين المجيد لا يليق أن نكتب غير المقالات الوطنية التي تمجد هذه المناسبة، ولكن ربما يكون موضوع هذا المقال وطني بحت و لا يقل أهمية عن الاحتفالية النوفمبرية فكلاهما يخص الشعب والوطن، و أجيال عُمان القادمة، الذين هم أساس تنميتها وهم من يعلون راية رقيها، والاحتفاء بها رقياً وتنموياً بكل المحافل.
قد تكون الأوضاع التي أوجدها (كوفيد 19) في العالم صعبة للغاية، رغم التعايش الذي نعيشه مع الفيروس (كوفيد 19) متلازمين معه وملتزمين، وهذا ما بدأت به الحكومة من تطبيق مبدأ التعايش مع الالتزام بالإجراءات الوقائية لتستمر عجلة الحياة ومسيرة البناء، وهذا ما اتخذته وزارة التربية من قرار ببدء الدراسة بداية الشهر الحالي (نوفمبر)، وفق مبادئ وقرارات وإجراءات اتخذتها الوزارة، وأن تكون الدراسة بنظامي التعليم المدمج، والتعليم عن بعد، ولغرابة النظامين على المواطنين، ظل الناس في حيرة بهذا النظام التعليمي والذي سوف يطبق لأول مرة في السلطنة وبدون تجربة سابقة، تقبلهم للأمر ليس سهلاً، ولكن همهم لاستمرار تعليم أبنائهم وعدم تأخرهم الدراسي كان هو الأسمى رغم حداثة النظامين لديهم.
اعتمدت وزارة التربية والتعليم نظام التعليم عن بعد للصفوف (1-11) ونظام التعليم المدمج للصف (12)، فهل كانت القاعدة التربوية بجميع جوانبها جاهزة لمثل هذا التعليم؟
وهل كانت الجاهزية في الهيئة التدريسية مكتملة لتنفيذ هذا النظام التعليمي؟. أسئلة بسيطة لكن لها تأثيرها على المسار التعليمي، والوضع المجتمعي والأسري، فلا بد أن تدرك وزارة التربية ذلك قبل انطلاق مرحلة التدريس وأن تضع في حسبانها الحلول المناسبة والصائبة لمواجهة أي صعوبات أو تحديات من جراء تفعيل هذا النظام التعليمي.
ليس بخافٍ عن الجميع الصعوبات التي واجهتها الأسر العمانية من تفعيل نظام التعليم عن بعد وصعوبة الولوج إلى المنصات التعليمية، والتي أصابت هذه الأسر بنوع من اليأس من جراء المحاولات، ناهيك عن غياب جودة شبكات الإنترنت التي تساهم ضعفها في مضاعفة العناء لأولياء الأمر والطلبة، وكان الضغط من جراء ذلك واضح عند القائمين بإدارة المنصة، والتحديات التي واجهتهم، حتى أن المنصة ذاتها وجدت صعوبة بادئ الأمر في التوافق بين الرقم المدني للطالب وبين عنوانه/ بريده الإلكتروني، حتى انتهى الأسبوع الأول، وبدأت تتضح الرؤية، ولكن لم ينتهِ الصراع للولوج إلى المنصات التعليمية، رغم كل الإمكانات المسخرة، من قبل الأسر، والوسائل الإرشادية من قبل الوزارة، حتى أن بعض المنصات أوقفت من قبل الوزارة نفسها.
الأسر العمانية بذلت جاهدة رغم ضعف إمكاناتها المعرفية والتقنية، وضعفها المادي، و افتقادها لأجهزة الحواسيب، والأجهزة اللوحية والمحمولة -بعض الأسر- لمواكبة هذه التقنية لكنها بالرغم من ذلك ذللت الصعاب، و رضخت للأمر واضعة نصب عينيها مصلحة أبنائها الذين هم الثروة الحقيقة للوطن، والاستثمار الأمثل لاقتصاد الوطن، وهم المصدر الأساسي لبناء الوطن وتقدمه وتطوره، رغم كل تلك المعضلات التي واجهتها الأسر في الدخول إلى المنصات التعليمية، واجهت مشكلات أخرى، أهمها عدم الجاهزية التعليمية في المنصات التعليمية لبعض المعلمين، وكذلك ضعف في شبكات الأنترنت لشركتي الاتصال (عمانتل و أوريدو)، ربما مشكلة عدم الجاهزية التعليمية مع الأيام سيتم حلها، ولكن وللأسف الشديد لم يتغير شيء في شبكات الاتصالات رغم كل الصرخات التي علت منابر التواصل الاجتماعي حول هذا الموضوع، قبل أن تطرح الحكومة نظام التعليم عن بعد بعدة سنوات، ضاربة هذه الشركات صوت المواطن عرض الحائط، فمتى يكون لنا الصوت الواصل لتسمعه هذه الشركات؟ ولماذا لا تحاسب من قبل الحكومة على تقصيرها في توفير هذه الخدمة؟. الفضاء الإلكتروني فضاء واسع ولا بد أن تدرك شركات الاتصال في عُمان بأن التأخير في التطوير مؤلم للحكومة قبل أن يكون مؤلماً على المواطن.
مضى على بدء الدراسة قرابة الشهر، وحتى الآن وللأسف الشديد بعضاً من الطلبة لم ينضم إلى منصات التعليم، والحال نفسه مع بعض المعلمين والمعلمات، ومن المفارقات أيضاً أن الكثير من المعلمين والمعلمات يواجهون صعوبات للوصول إلى الطلبة عبر المنصات التعليمية حتى وهم في مدارسهم يعانون من ضعف الشبكات والضغط الحاصل عليها، وكذلك عدم دخول عدد كبير من الطلبة إلى هذه المنصات حتى الآن، مما جعل بعض هؤلاء المعلمين أن يعتمد المجموعات الطلابية في برنامج الواتساب، عن طريق هواتف أولياء الأمور لتوصيل الدروس إلى الطلبة بعيداً عن المنصات التعليمية، لاستمرار التعليم والوقوف على مبدأ إيصال المعلومة بأي وسيلة كانت، ولكن لم يستمر الحال فجاء التوجه من الوزارة الموقرة بعدم اعتماد التواصل بالواتساب مما خلق فجوة أخرى لدى الأسرة.
لعل الكل عانى من هذه الصعوبات سواء كنا أولياء أمور، أو هيئات تدريسية وطلبة من سوء خدمة الإنترنت وما انعكس عليه من وضع صعب ومتعب للاستمرار في مسيرة نظام التعليم عن بعد، وخلق نوع من عدم الرضى بمستوى منصة التعليم، والتي هي بدورها تعتمد على شبكات الإنترنت، مما زاد من هموم الأسرة وأصبح همها الحالي هو كيف سينهي ابنها عامه الدراسي هذا مع كل هذه التحديات؟.
لسنا ضد التعليم عن بعد، ونشكر الحكومة على هذه الخطوة الجريئة التي اتخذتها، والتي هي بمثابة تحدي لوزارة التربية والتعليم وخاصة الهيئات التدريسية من اعتماد هذا النظام لأول مرة بدون تجربة مسبقة لمعرفة سلبياته، ولا شك بأن كل نظام جدبد تصاحبه عقبات وصعوبات من الناحية الفنية والإخراجية، أما من الناحية الجاهزية التدريسية فلا أعتقد أن تكون هناك صعوبة تذكر، فعندنا من الفنيين والمعلمين من لهم الكفاءات المطلقة في مجال التقنية التكنولوجية، ولكن لا بد أن يواكب هذا النظام شبكة راقية ومجهزة بكل طاقاتها وإمكاناتها لدعم هذه الجهود المبذولة، أما إذا كان العكس بالعكس فلن يكون هناك إنجاز يذكر، فالتعليم عن بعد تعليم قائم على أساس الثورة التقنية فلا بد أن يكون هناك تجانس تام بين شبكات الاتصال والمقدرات الحكومية، فهذه أهم ركيزة توضع في الحسبان في تبني نظم تعليمة إلكترونية.
فهل حقاً وضع شبكات الاتصال وخدمة الإنترنت في السلطنة يخدم هذه المسيرة التعليمية الإلكترونية؟.
وهل وزارة التربية والتعليم درست أوضاع شركات الاتصال و قدرتها على المواكبة لتنفيذ هذا التعليم؟، وهل وضعت في الحسبان الوضع الاجتماعي والمادي للأسر؟، أم أنها تجربة، تطبقها الوزارة وتترك الشعب في صراع مع المنصة وشبكات الاتصال، و وضعه الاجتماعي؟. تساؤلات عديدة من المفترض أن تناقش وتدرس وتضع لها الحلول المناسبة قبل الخطى لتفعيل هذا النظام التعليمي، وكي لا أكون سلبياً في هذا الجانب، فقد توجهت لإحدى قاعات شركة الاتصال، والكل كان يبحث عن ضالته في طلب خدمة (الواي فاي) رغم قناعتهم بضعف الخدمة، و لكن لا بديل من ذلك لمن استطاع وتوفرت التغطية في قريته، وحقيقة الأمر توجهي للقاعة ليس لطلب خدمة الإنترنت، فعندي الخدمة من فترة تتجاوز الأربع سنوات، وجربت الشبكتان، وكلاهما أردى من الأخرى، رغم سكني في قلب الولاية فما بالك بمن هو خارج الولاية، فقد كان توجهي لطرح سؤال لأحد الموظفين في إمكان حل مشكلة ضعف الشبكة، وإخطار الشركة بذلك؟، فكان رده: هذه قدرات وإمكانات الشركة في الوضع الحالي، والجميع على علم بذلك ومسؤولي الشركة، ومسؤولي الجهات الحكومية المعنيين بقطاع الاتصال، فكان رده الأكيد المعروف والمحسوس لدينا، وليس بجديد.
لا يخفى على الجميع أن ما سببته جائحة كورونا (كوفيد19) في العالم أجمع من اختلافات ملموسة في المجالين الاجتماعي (الحياتي) والعملي، وفرض وجود هذه الجائحة على العالم ككل قيوداً وإجراءات للتعايش معه واستمرارية الحياة العامة والخاصة، و السلطنة حالها كحال العالم من حولها، هي الأخرى معنية بهذا الوضع، ولذلك اتخذت الإجراءات للتعايش مع هذه الجائحة والاستمرار في الحياة، ومن هذا المنطق فقد أولت الحكومة جل اهتمامها لاستمرار الأداء المؤسسي الحكومي والخاص، وحرصاً منها في استمرار مسيرة التعليم، ومع الخوف من تزايد انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19).
أطال الله في عمر صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه، وسدد على طريق الخير خطاه، وجه الحكومة أن تفعل مسيرة التعليم هذا العام بمنظومة نظامي التعليم المدمج، والتعليم عن بعد، فرغم حداثة هذا التعليم بالنسبة للسلطنة، والذي استبشر به المواطنين خيراً، ورغم المعوقات والتحديات الأسرية التي صادفوها، فكان السمع والطاعة لتوجيهات جلالته حفظه الله.
فهل حقاً كنا مستعدين لتطبيق هذا النظام التعليمي، أم هو أمر من الحكومة فرض على وزارة التربية والتعليم، وإلزامها أن تنفذه مهما كانت النتائج ؟.
و كما يقال: “رب ضارة نافعة“ لتكشف لنا هذه الجائحة أشياء لن نستطيع أن نكتشفها ولو لسنوات، لولا هذه الجائحة سواء كان ذلك في العلاقات الاجتماعية أو الأداء الخدمي والإداري في القطاعين الخاص و العام.