تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
فعاليات وأنشطة النبأمقالات صحفية

لولاكَ يا زينة الوجودِ

عبدالرزاق أحمد الحسيني

مُذ عرفت اسمه، كان قلبي يخفق لذكره، رغم صغر سني، حيث لم أكن قد تجاوزتُ السادسة من عمري، عندما كان والدي يأخذني معه فجر كل يوم جمعة، لأداء صلاة الصبح جماعةً في مسجد الصحابي خالد بن الوليد في مدينتي حمص السورية، التي تحتضن ضريح سيف الله المسلول.
عقب صلاة الصبح، وإلى طلوع الشمس، كان مجلس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يمتلئ المسجد بالمصلين العاشقين لحبيب الله، محمد بن عبد الله، حيث تستيقظ المدينة على أصوات المصلين والمسلّمين عليه بعبارة:
اللهمّ صلّ على محمد، يا ربِّ صلّ عليه وسلّم، ويختتم المجلس بأنشودة الشاعر اليمني عبد الهادي السودي:
لولاك يا زينة الوجودِ
ما طاب عيشي ولا وجودي
ولا شجاني وميض برقٍ
ونقرُ دفٍّ وصوت عودِ

حتى باتت هذه الأنشودة، ولفظ الصلاة عليه جارياً على لساني، فكان أبي يفرح بشدة ويقول لي: يا بني، أنت قرّة عيني، فلا ينقطع عن لسانك ذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكنت أسأل أبي عن فضل الصلاة على النبي، فقال لي:
جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله، إني أُكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، قال: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: الثلثين؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قال: يا رسول الله، فأجعل صلاتي كلها لك؟ قال: إذًا تكفى همك، ويغفر ذنبك.
يا بني، ماذا يريد الإنسان أكثر من أن يكفى همه، وأن يُغفر ذنبه؟
كنت أتخيل شكل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلمه بلسان طفلٍ بريء، وأتحدث عنه أمام أطفال الحيّ، وأقرأ قصصه وأحاديثه، وأسارع لحضور (الموالد) التي تقام في الأعراس والمناسبات، وهي حفلات خالية من الآلات الموسيقية عدا (الدفّ) وتتلى فيها الآيات القرآنية وقصائد مديح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كبرتُ على هذه الحال، وتعهدتُّ مجالس الذكر، وداومت على مجلس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد خالد بن الوليد، وكنت أصطحب معي رفاقي في المدرسة والحيّ.
في أحد الأيام، زارنا صديق والدي من ماليزيا، وقدم لي هدية رائعة، كانت عبارةً عن شريط (كاسيت) يحوي أغانٍ دينية جميلة لأطفال ماليزيا، وكم فرحت بأغنية وصف النبي المصطفى:
وصف النبي المصطفى
بحر السماحة والصفا
يرويه أصحاب كرام
منهم عليّ ذو الوفا

هو ربعة بين البشر
من غير طول أو قصر
والشعر أسود لونه
والوجه حاكاه القمر

حفظتُ كل تلك الأغاني، وعلمتها لأصدقائي.
كبرتُ وتزوجت، ورزقني الله أطفالاً نشؤوا على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدعمٍ من المجتمع المحلي، الذي يساهم بشكلٍ كبيرٍ في تعزيز هذه التنشئة، من خلال انتشار المساجد، ودروس العلم فيها، والطابع العامّ الذي يشجع على التربية الحسنة للأطفال.
سافرتُ لعدة بلدان، إلى أن انتهى بي المطاف إلى فرنسا، حيث العبء الأكبر يقع على الوالدين في تربية الأبناء، في ظل مجتمعٍ غربي التوجه، بعيدٍ كلّ البُعد عن القيم والأخلاق والطباع الشرقية، وقلة المساجد، والعنصرية، والتناقضات الكبيرة التي يعيشها المسلم في هذا المجتمع.
إلى أن بدأت سياسة التحريض العنصري على المسلمين، والرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في صحيفة شارلي إيبدو، وما تبعها من أحداث، فصار أطفالي يكثرون من الأسئلة، عن الاختلافات الكبيرة بين ما يسمعوه مني، وما يتلقوه من تعليم في المدارس الفرنسية.
فاتفقتُ مع زوجتي على القيام بحملةٍ منزليةٍ مستمرة لا تنقطع، لإعادة ترتيب الأولويات، وأن نضع أطفالنا في قمة هذه الأولويات، وأن نحرص على عدم وقوعهم في تناقض بيئتين ومجتمعين مختلفين تماماً عن مجتمعاتنا الشرقية، وعن قيمنا الأخلاقية، وخاصةً فيما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصادف توقيت تلك الحملة مع اقتراب ذكرى مولد النبي المصطفى، وكذلك أحداث العنف التي سبقتها بأيامٍ قليلة.
وضعنا برنامجاً يومياً يقوم على رواية سيرته العطرة، على اليوتيوب، ومشاهدة أفلام الكرتون التي تُعنى بذلك، وقراءة جزءٍ من السيرة، وتحفيزهم من خلال المسابقات اليومية، والجوائز المالية لمن يجيب على أكبر عدد من أسئلة المسابقة.
كانت هذه الحملة دفعةً جيدةً في سبيل تثبيت تربية الأطفال على النهج القويم، القائم على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم،  واتباع نهجه والتمسك بسنته، في ظلّ الهجمة البربرية المسيئة له.

أطفالنا أمانة في أعناقنا، وسنُسأل عنهم أمام الله تعالى، وهم امتدادنا في الدنيا، وذخيرتنا في قبورنا، وفي آخرتنا.
علموهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيبنا وقدوتنا.
علموهم: أن الله تعالى قال له:
(وإنك لعلى خُلق عظيم).
علموهم:
لولا محمد والإسلام ما بزغتْ
شمسٌ لعُربٍ، وصرح المجد لم يقمِ
علموهم:
هو خير من وطئ الثرى
طوبى لمن صلى عليه فأكثرا
علموهم:
ولد الهدى فالكائنات ضياءُ
وفم الزمان تبسمٌ وثناءُ
علموهم:
لولاك يا زينة الوجودِ
ما طاب عيشي ولا وجودي

اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights