مقالات صحفية

القياس في الشريعة الإسلامية

 

زياد النصيبي

نتشرف ونضع بين أيديكم هذا المقال المتواضع الذي يوضح أهم ركائز علم أصول الفقه وهو القياس في الأحكام الشرعية حيث إنه سوف نعرف القياس في اللغة والإصطلاح، ونشرح أهم شروط القياس، والخلاف حول حجيته بين مختلف الفقهاء.

تـعـريـف الـقـيـاس:
(القياس في اللغة التقدير، ومنه قست الثوب إذا قدرته به أو قست الجراحة إذا جعلت الميل فيها لتعرف غورها) 1، هنا يتضح من التعريف اللغوي هو أن القياس معرفة مقدار الشي إذا كان مناسبًا أم لا مثل قياس الثوب على الشخص فهنا الشخص يهدف من قياس الثوب إلى تحقيق نتيجة وهي أن يكون الثوب متناسب مع جسده فإذا كان القياس خاطئ فسوف يكون الثوب غير متناسب مما يظهر بشكل ليس كما هو مفترض أن يظهر به. أما بالنسبة إلى تعريف القياس في الشرع فهو (حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما. والمراد بالحمل هنا الإلحاق) 2، ويعني ذلك أنه يجب أن يكون هناك أصل ويوجد به حكم وعله فنأخذ حكم الأصل ونلحقه بالفرع ويصبح للفرع ذات الحكم الذي يوجد في الأصل مع إشتراط أن يجتمع الاثنين – الأصل والفرع – في علة واحدة.

حـجـيـة الــقــيــاس:
إن الذين يعتبرون بأن القياس حجه استدلوا على بعض الأدلة من القران الكريم والسنة النبوية مثل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) 3، هذه الآية الكريمة تأمر بتنفيذ ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية وما قاس عليه العلماء، فهذه الآية تدعوا إلى إجراء القياس فذكرت في حالة أنه حدث خلاف في أمر شرعي نُجري القياس ونستخرج الحكم من القرآن الكريم أو السنة النبوية – فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ – فهذه الآية تدعوا العلماء إلى إجراء القياس في الأمور التي اختلفوا فيها وهو إنهم يبحثون عن الحكم الشرعي في القرآن الكريم والسنة النبوية وذلك في العلة المشتركة بين المسألتين.
أما بالنسبة إلى الذين يعتبرون بأن القياس ليس بحجة استدلوا على بعض الأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية مثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) 4، وأيضًا مثل قوله تعالى (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) 5، هنا يعتبر هذا الفريق بأن القياس هو زيادة على أحكام الله سبحانه وتعالى وهي زيادة بدون وجه حق والقرآن الكريم يوجد فيه جميع الأحكام ولا نحتاج لإجراء القياس.

تـعـريـف الأصـل فـي الـقـيـاس
(فالفقهاء جعلوا الأصل اسمًا لمحل الحكم المنصوص عليه. والمتكلمون جعلوه اسمًا للنص الدال على ذلك الحكم) 6، هنا يتضح لنا الخلاف في التعريف بين الجمهور والمتكلمين فالجمهور يقولون بأن الأصل هو المكان الذي يوجد فيه النص فقد يكون في القرآن الكريم أو السنة النبوية أو غيرها من المصادر أما المتكلمون فقد جعلوا الأصل هو إسم النص الذي يحمل الحكم وليس إسم مكانه وهذا هو التعريف الأقرب للصواب من وجهة نظري.

شــروط الأصــل فــي الـقـيـاس:
1- (أحدها: أن يكون الحكم الذي أريد تعديته إلى الفرع ثابتًا في الأصل، فإنه لو لم يكن ثابتًا فيه بأن لم يشرع فيه ابتداءًا أو شرع لكن نسخ لم يمكن بناء حكم الفرع عليه ) 7، وهذا هو المفترض عند إجراء القياس فيجب أن يكون حكم الأصل أصلًا ثابتًا بنص في القرآن الكريم أو السنة النبوية فلا يمكن إجراء القياس وإعطاء الفرع حكم الأصل والأصل غير ثابت. (ومن فروع هذا الشرط أنه لا يقاس على حكم منسوخ في ذلك الحكم لأن المقصود من القياس إثبات مثل حكم القياس في الفرع فإذا كان الحكم غير ثابت بالشرع استحال أن يثبت له مثل بالقياس لأنه نسخ الحكم يبين عدم اعتبار الشرع للوصف الجامع) 8 , فلا يمكن إجراء القياس وإعطاء حكم للفرع إذا كان هذا الحكم أصلًا منسوخ فإذا كان الحكم الذي يحمله الأصل أصلًا لم يثبت بالنص فمن الصعب أن نعطيه نفس الحكم بالقياس لأنه سوف يتعارض في العلة فعلى سبيل المثال إذا قمنا بقياس الفرع على حكم ناتج من القياس باعتباره الأصل هنا العلة تختلف بين الفرع والأصل الذي في أصله فرع، فيجب أن نقيس على الأصل حتى تكون العلة مشتركة بين الفرع والأصل ولا نقيس بين الفرع والفرع “ناتج القياس”.
2- (أن يكون الحكم شرعيًا ليخرج الحكم العقلي واللغوي) 9، في هذا الشرط يجب أن يكون الحكم الذي يوجد في النص الأصلي هو حكم شرعي والأحكام الشرعية محددة وواضحة عند علماء الأمة فما عدا الأحكام الشرعية لا يجوز القياس فيها وهناك خلاف حول المسائل التي كانت تحدث قبل وجود الشرع هل تثبت بالقياس أو لا ؟، فإذا كان العالم يريد القياس في الأحكام العقلية واللغوية لا يشترط ذلك.

3- (أن يكون الحكم ثابتًا بالنص وهو الكتاب والسنة ويعرف حكمه بالنص والظاهر والعموم) 10، حتى يتحقق القياس اشترطوا العلماء بأن يكون الأصل ثابت ويكون ثابت في القرآن الكريم والسنة النبوية فيعني ذلك إنه لا يثبت الأصل في غير القرآن الكريم والسنه النبوية، وكذلك من جهة أخرى اشترط العلماء أن يكون هذا الحكم ظاهر وعام أي لا إنه نستطيع معرفة حكم المسألة من أصلها الثابت بدون لا نبحث في فحوى النص، وهناك خلاف حول إذا كان يمكن القياس على الأصل إذا كان فحواه غير واضح. إختلف العلماء في القياس على الحكم الذي نتج من الاجماع، (وأما ما ثبت بالإجماع فهل يجوز القياس عليه؟ فيه وجهان: أصحهما كما قاله الشيخ أبو إسحاق وابن السمعاني: الجواز، وحكاه ابن برهان عن جمهور الأصحاب. والثاني لا يجوز القياس عليه ما لم يعرف النص الذي اجمعوا لأجله، قال ابن السمعاني: وهذا غير صحيح فإذا جاز القياس على الثابت بالنص جاز على الثابت بالإجماع) 11، يتضح لنا من خلال هذا الخلاف بأن بعضهم قالوا بأنه يجوز القياس على الحكم الناتج من الإجماع لأن الإجماع أصل في إثبات الأحكام وإذا كان يجوز القياس على ما ثبت بالنص فإنه أيضًا يجوز القياس على ما ثبت بالإجماع، والبعض رفض وقال عدم جواز القياس على الحكم الناتج من الإجماع إلا إذا عرف النص الذي اجمعوا عليه والبعض قال لا يجوز إطلاقًا.

4- (أن لا يكون دليل حكمه شاملًا لحكم الفرع، لأنه لو عمه لخرج عن كونه فرعًا وضاع القياس) 12، أي يجب على الأصل أن لا يحتوي على حكم يدخل فيه الفرع، يعني ذلك أن الحكم خاص بالمسألة التي يوجد فيها النص الأصلي وهذا الحكم يجب أن لا يشمل معه المسألة الخاصة بالفرع , مثل تحريم الخمر النص فقط اقتصر على تحريم الخمر ولم يحرم فيه المخدرات فهنا يجوز القياس لأنه المخدرات لم يشملها النص بالحكم وبالتالي نأخذ حكم الأصل ونضعه في الفرع , فإذا كان الأصل يحتوي على حكم الأصل والفرع فهنا أصلًا لا يوجد قياس لأن الفرع وجد له حكم وثابت بالنص وقد يكون الفرع في هذه الحالة أصلًا وليس فرع , فيضيع القياس.
5- ( أن لا نكون متعبدين في ذلك الحكم بالقطع , فإن تعبدنا بالقطع لم يجز القياس لأنه لا يفيد غير الظن فلا يحصل العلم به , لأنه الفرع لا يكون أقوى من الأصل وحينئذ يتعذر القياس) 13 , هذا الشرط هو من أهم شروط القياس فعدم وجود هذا الشرط يؤدي إلى إعدام القياس , ويقصد المؤلف في هذا الشرط بأن يكون حكم الأصل يوجد به علة أي أن يكون معقول المعنى ولا يكون تعبديًا وهو الذي لا نعرف فيه العلة أو ليس لها علاقة بالحكم وتسمى أحكام “غير معقولة المعنى” , ومثال على حكم معقول المعنى مثل قطع يد السارق هنا يوجد ربط بأن قطع اليد بسبب أنه سرق بها فيجوز القياس هنا , ومن جهة أخرى أحكام غير معقولة المعنى مثل عدد الركعات والحدود هنا قطعًا يوجد علة ولكن لا نعرفها أو الطريق إليها ظنيًا وبسبب هذا الظن يمنع القياس خوفًا على وقوع الخطأ في القياس. (فإن كان قياس العلة فنحن لا نقيس إلا إذا وجدت علة الأصل في الفرع , وإذا وجدت فيه أثرت مثل حكم الأصل فيكون مقطوعًا به أيضًا) 14 , هنا يتضح لنا منع القياس في الأصل الذي لا نعلم علته أو الطريق إليها ظنيًا غير ثابته فإذا كان علة الأصل ثابته في الأصل وفي الفرع هنا يأخذ الأخير حكم الأصل.

6- (أن يكون جاريًا على سنن القياس : يشترط في حكم الأصل أن يكون جاريًا على سنن القياس وطريقته، وذلك بأن يكون مشتملًا على معنى يوجب تعديته من الأصل إلى الفرع، فإن لم يكن كذلك، بأن خرج على سنن القياس، فلم يشتمل على المعنى المذكور، لا يقاس على محله، وهو الأصل، لخصوصيته في هذه الحالة) 15 , يقصد في هذا الشرط أن يكون الأصل قد جرى القياس عليه وليس خاص على حادثه معينه بمعنى آخر أن لا يكون الحكم خاص فقط بالأصل ولا يمكن أن يتعدى إلى الفرع وأقرب مثال لذلك جواز الزواج من المرأة التي وهبة نفسها للنبي عليه الصلاة والسلام بدون مهر فهنا الحكم في هذه الحادثة خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام فلا يمكن أن نقيس ونقول أي إمرأة تهب نفسها لرجل يمكن الزواج منها بدون مهر فهنا نقع في الخطأ فهذا الحكم خاص فقط بالأصل.

المراجع والمصادر:

1/ مذكرة في أصول الفقه للمؤلف محمد الأمين الشنقيطي والناشر مكتبة العلوم والحكم 2001 صفحة 291.
2/ مذكرة في أصول الفقه للمؤلف محمد الأمين الشنقيطي والناشر مكتبة العلوم والحكم 2001 صفحة 291.
3/ الآية 59 سورة النساء.
4/ الآية 1 سورة الحجرات.
5/ الآية 39 سورة الأنعام.
6/ المحصول في علم أصول الفقه للمؤلف فخر الدين الرازي صفحة 16.
7/ البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي والناشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية صفحة 81.
8/ البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي والناشر وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية صفحة 81.
9/ البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي والناشر وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية صفحة 82.
10/ البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي والناشر وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية صفحة 83.
11/ البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي والناشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية صفحة 83.
12/ البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي والناشر وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية صفحة 86.
13/ البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي والناشر وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية صفحة 92.
14/ البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي والناشر وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية صفحة 92-93.
15/ الإحكام في أصول الأحكام للآمدي والناشر دار الصميعي صفحة 271.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights