مقالات صحفية

دور سلطنة عُمان في مكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب

 المحامية هدى بنت ناصر الفورية باحثة ماجستير في تخصص القانون الجزائي بجامعة السلطان قابوس

إن جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب هي صوت يتردد على مسامعنا في هذه الآونة، حيث تفشت هذه الجرائم على نطاق عالمي، فكان لزاماً العمل على ردعها ومنعها من التفشي في مجتمعنا، وذلك الدور تبنته المنظمات المسؤولة عن مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتي كان ولا زال لها دور بارز في قمع هذه الظاهرة حول العالم.

وكون الهدف من قمع هذه الجرائم هو الحفاظ على النظام المالي والأمن والاستقرار في أي بلاد، وكون عمان معلماً للأمن والاستقرار فإنه لا بد لها من تعزيز الجهود في مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ولا بد من تبنيها تدابير صارمة في هذا الشأن، وهذا بالتأكيد الأمر الذي وضعته الحكومة نصب عينيها، سواء كان ذلك على المستوى الدولي أو المحلي.

ومن أدوارها البارزة في هذا الشأن بصمتها العالمية، حيث تبنت مجموعة من المبادرات الدولية والإجراءات القانونية، أهمها انضمامها كعضو مؤسس لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما التزمت بتنفيذ التوصيات الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقد أصدرت قانونا يقضي بتحديد الالتزامات والمسؤوليات المتعلقة بالمؤسسات المالية وغير المالية والسلطات الرقابية والإشرافية، حيث يتيح هذا القانون للدول مراقبة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

أما بالنسبة للجانب المحلي، فبداية نص قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 30 لعام 2016 على مجموعة واسعة من الالتزامات والإجراءات التي يجب الالتزام بها من المؤسسات المالية وغير المالية، والجمعيات والهيئات غير الهادفة للربح، وقد حدد القانون السلطات الرقابية والإشرافية كالوحدة المستقلة المختصة بالتحريات المالية في شرطة عمان السلطانية، واللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ وذلك للعمل على تنفيذ واتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في السلطنة، إضافة إلى ذلك فقد حدد القانون سلطات اللجنة الوطنية المختصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وحدد أيضا مسؤوليات الجهات الرقابية، كالبنك المركزي العماني في تنفيذ النصوص والأحكام.

وقد تبنت العديد من الجهات في الدولة أدوارا فاعلة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب، بداية من شرطة عمان السلطانية،والتي تلعب دورا حيويًا في هذا المجال؛ حيث تقوم بمراقبة الأنشطة المشتبه فيها، والتحقيق والتصدي للتهديدات الإرهابية المحتملة، وتتعاون الشرطة مع الأجهزة الأمنية الأخرى، وتتبادل المعلومات لمكافحة الجريمة الإرهابية، وتأمين الأمن العام، ومن الجانب الآخر فقد وقعت الشرطة مع جهاز الضرائب برنامج تعاون مشترك لتنسيق الجهود وتبادل المعلومات بشأن التحقيقات المالية، والهدف من ذلك مشاركة التحقيقات والخبرات وتبادل المعلومات للحد من جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والقضاء عليها، بالتالي تعزيز قدرات الجهتين في مكافحة هذه الجرائم والتصدي لها.
أما الادعاء العام فقد كان له حضور في تطبيق القوانين التي صدرت بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فقد أجاز له التشريع العماني العديد من الإجراءات التي قد تساعد في البحث والتحقيق في القضايا المالية المختلفة، منها ما جاء في المرسوم السلطاني رقم ۲۰۱٦/٣٠ في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الذي يتيح للادعاء العام القيام بالإجراءات التحفظية بناء على طلب وحدة التحريات المالية في شأن الجرائم الواردة في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفقا للأحكام المقررة في قانون الإجراءات الجزائية، كما جاء في مادة أخرى أن للادعاء العام أن يمدد مدة وقف المعاملات في الجرائم المشتبه بارتكابها، لمدة لا تزيد عن العشرة أيام في حال تم طلب ذلك من وحدة التحريات المالية، وذلك لضمان التحقيق السليم، ومنح الادعاء القدرة على التدقيق في الإجراءات المالية لإيقاف أي معاملات مشبوهة، وجاء في مواد أخرى السماح للادعاء العام باتخاذ جميع الإجراءات التحفظية، والتي من ضمنها ضبط وتجميد الأموال محل غسل الأموال، وتمويل الإرهاب وعائداتها، وفي ذلك إتاحة الفرصة للادعاء لجمع الأدلة وإثبات التهم المرتبطة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتقديمها إلى المحاكم لمحاكمة المتهمين، وفرض العقوبات اللازمة.

بينما حرص البنك المركزي العماني على إنشاء أطر قوية للمراقبة المالية، والتحقق من هوية العملاء، وتقديم التقارير المالية اللازمة، حيث حرص على التعاون مع الجهات المالية الأخرى لتقوية الالتزام بالقوانين المالية والتشريعات المعمول بها، كما أنشئت وحدة مستقلة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تعمل في إطار دائرة التطوير المصرفي التابعة للبنك المركزي، وتتم عمليات الرصد والرقابة والتفتيش الميداني للمؤسسات المرخصة، وتُجرى عمليات التفتيش السنوية والتقييم والتحقيق.

وتعد اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب الهيئة المختصة في سلطنة عمان في التعامل مع الاحتياجات المتعلقة بالعقوبات المالية الموجهة، حيث تقوم اللجنة بالإشراف على تنفيذ العقوبات المالية المستهدفة على المستوى الوطني، وتقوم أيضا بالرد على الاستفسارات والتساؤلات المتعلقة بالعقوبات، وتقدم التوجيهات والتعليمات، وتعزز الوعي في المجتمع حول جميع جوانب العقوبات المالية.

كما تم في أول اجتماع للجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والذي قد عقد في عام ٢٠٢٣، الموافقة على الاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعكس هذه الاستراتيجية التزام سلطنة عمان المستمر بتوجيه الجهود في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتطبيق المعايير الدولية بفعالية مواجهة المخاطر القائمة، حيث تتضمن هذه الاستراتيجية العديد من الأهداف، بما في ذلك تطوير الفهم الوطني للمخاطر المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى تركيز الجهود في التحقيقات المالية، ومصادر وحجز الممتلكات المرتبطة بالجرائم.

وأخيراً فإن جميع هذه الجهود المشتركة للجهات المذكورة تهدف إلى تعزيز الأمن والسلام العام في سلطنة عمان ومكافحة الإرهاب ومنع تمويله، كما تحدث تطورات مستمرة في استراتيجيات وجهود مكافحة الإرهاب على المستوى المحلي، وتستجيب السلطنة باستمرار لتلك التحديات، وتعزز قدراتها لمكافحة الإرهاب بفعالية.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights