النظرية الموقفية في القيادة
د. سعيد بن راشد الراشدي
23/09/2020
أهتم المؤرخون بالقيادة منذ زمن بعيد ، لما حظيت به من مكانة في المجتمعات القديمة التي أولتها اهتماماً كبيراً. وبتطور المجتمعات تطورت القيادة وتعاظمت أهميتها في المجتمعات الحديثة في القطاعات كافة. وخلال العقود الماضية تراكمت قاعدة معرفية واسعة وراسخة من النظريات والمبادئ والمفاهيم القيادية والإدارية والتنظيمية نتيجة الأبحاث والدّراسات المكثفة في حقل الإدارة. وأفضى هذا الجهد الكبير في التعريف والتصنيف والتبويب، وهذا النقاش الجدّي بين الكتاب والمفكرين إلى ظهور النظريات القيادية.
ولقد تطرقنا سابقاً عن إحدى النظريات القيادية ونُعرجَ في هذا المقال على نظرية أخرى من نظريات القيادة هي” النظرية الموقفية”. وترى هذه النظرية، القيادة على أنها مدلولا للموقف الذي يوجد فيه الفرد. وهذا يعني أنه في وقت معين يكون لمجموعة من الأفراد أهداف ومطالب تحتاج إلى خدمات شخص قادر على تحقيقها.
حيث ترى هذه النظرية إن خصائص القائد لا ترتبط بصفات شخصية عامة، بل بصفات وكفايات وخصائص نسبية لديه، بمعنى أن يتصرف القائد بحسب الموقف الذي يعيشه تلك اللحظة. فالصفات والخصائص المطلوب توافرها في القائد تعتمد وبدرجة كبيرة على الموقف الذي يعمل فيه، وعلى المركز القيادي الذي يشغله. ومن هنا فإن هذه النظرية تبين أن القيادة لا ترتبط بالصفات الشخصية للفرد فقط، وإنما ترتبط كذلك بالموقف الإداري الذي يعيشه الفرد في مؤسسته التي يعمل فيها.
وهنا نجد إن هذه النظرية تعطي فكرا جميلا للديموقراطية من حيث عدم تحديد القادة في عدد محدود من الأفراد الذين تتوافر فيهم صفات وقدرات معينة، بل تجعل قاعدة القيادة تتسّع إلى صورة أكبر يمكن لأي فرد فيها أن يكون قائداً في بعض المواقف، كما أنها تخالف النظرية القيادية التي ترى أن القادة يولدون ولا يصنعون.
وتؤكد النظرية الموقفية في القيادة على أن الصفات والمهارات القيادية يمكن للأفراد اكتسابها من خلال التّعليم والتدريب. وترى أن النجاح الذي يُحالف القادة في مؤسساتهم يتوقف على مدى امتلاكهم الأساليب، والطرق، والكفايات اللازمة لتوظيفهم النمط القيادي الملائم للموقف الذي يعيشونه مع العاملين معهم في المؤسسة. وتتجلى مصادر قوة القيادة في هذه النظرية كما ذكرها (عطيوي،2004، ص72) في الآتي:
أ. القوة الرسمية، وتتمثل في المركز الرسمي الذي يكون الفرد عليه في المؤسسة، وهذه القوة يمكن أن تكون من السلطة الأعلى إلى السلطة الأدنى في المؤسسة.
ب. قوة التأثير، وتتمثل في القوة الفنية للفرد. بمعنى أن المصدر الذي يستمد منه الفرد القوة، هو الخبرة أو المهارة أو المعرفة التي يمتلكها ويتميز بها عن بقية زملائه. وتظهر قوة التأثير أيضا في قدرة الفرد على تحصيل إعجاب رؤسائه ببعض صفاته الشخصية.
ومن هنا وبعد هذا الطرح في النظرية الموقفية في القيادة نجدها تقوم على مبدأ أن القيادة هي حصيلة مباشرة للتفاعل بين العاملين جميعهم في المؤسسة لموقف معين، وليست نتيجة لصفات معينة فيهم، حيث أن المواقف المحيطة بأي قائد تلزمه التصرف بطريقة معينة لمعالجة ما يعترضه من مواقف أو أحداث يومية في المؤسسة.
لذا نجد إن نجاح أي مؤسسة يرتبط ارتباطا كبيرا بقائدها والعاملين معه، لذا على القادة اختيار الأسلوب القيادي الناجح الذي يخدم المؤسسة والعاملين، لما لذلك من مردود إيجابي على مختلف جوانب العمل بالمؤسسة، ومدى تحقق الأهداف المرسومة مسبقاً والتي يسعى إليها الجميع.