325 ريالاً هو الحدّ الأدنى للأجور في القطاع الخاص
أحمد الحراصي
نحن نعيش في زمنٍ تغيّرتٌ أحواله كثيراً عما كانت عليه في الماضي ولكن ما تزال هناك عقولٌ خاوية تستذكر الماضي وتستحدثه في الحاضر دون دراسة وربْط ما بين الزمنين، فإنْ كُنت ستربط الحاضر بالماضي، فيجب عليك أولاً أنْ تعي ما يدور في الحاضر وتُمحّصه مِن الأطراف كافّة، وأنْ تقارنه بالماضي الذي تتغنّى به.
325 ريالاً؟ لأجل ماذا؟
هل هي مرحلة حلول جديدة؟ أمْ أنها تهميشٌ للعقول المبدعة ولأصحاب العِلم والثقافة؟
ما الذي ينتظره المواطن مِن حلٍّ كهذا عندما تتساوى فيه الشهادات العليا بالشهادات الأدنى؟ لا أعرف ما أساس هذا الحلّ الذي يراه البعض أنه منطقياً وإيجابياً، في الوقت الذي يتطّلّع المواطن فيه إلى تعديلٍ للأجور الشهرية، يأتي هذا القرار من وكيل العمل مُحطماً للآمال، فكيف يستطيع إنسانٌ -في هذا الوقت الذي تشتعل فيه الذروة نحو نشاطات تستهلك الكثير والكثير مِن جَيبه- أنْ يعيش حياته بطمأنينةٍ على أقلّ تعبير؟
فمَن يرى أنّ هذه الفئة تكفي لشهرٍ مِن أجْل أنْ يضمن المواطن راحته وعدم كآبته مِن نفاذ المال من جَيبه طوال الشهر الواحد؟
فالإنسان تحكُمه ظروف المعيشة وغلاء أسعارها، ناهيك عن ارتفاع أسعار النفط بين حينٍ وآخَر، كذلك مسألة الزواج وتكوين أسرة، فكيف سيكون زواجه ليبني أسرةً وبيتاً ويشتري سيارة طالما أن 325 ريالاً لا تكفي لأسبوعين؟
مَن يراها أنها تكفي لشهرٍ فلا شكّ أنّ لديه فِكرٌ قديمٌ وعقيم، حيث يخطر في باله أنّ في الماضي كانت المائة ريال تكفي رَواح الشهر والشهرين، لكنْ ليست الآن، فزمن اليوم يختلف عن زمن الأمس وسيختلف أيضاً عن زمن الغد، وعن الاثنين معاً، وللأسف أنّ هناك نُشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي يؤيدون الفكرة ويعتبرون ال325 ريالاً كافية وأكثر، فهل هذا هو ما يُسمى بالتحيّز لهذا القرار وتشجيعه لكي يلقى قبولاً من العامّة، أعتقد أنكَ تُجاري نفسكَ يا صاحبي فنحن نرفض قرار وكيل الوزارة رفضاً قاطعاً ولن نقبله أبداً.
ما يراه وكيل العمل أنّ هذا القرار سيُسهم في الحصول على فُرص العمل لدى الباحثين، وأنّ انخراطهم بهذه الوظيفة سيَبني من قُدراتهم وخبراتهم، في حين أنّ الخِبرة تتطلّب توافقاً مع المُؤهّل وليست أيّ وظيفة تستلمها تُسهل لكَ الخِبرة وتطوّر مهاراتك منها.
أمَا كان من الأفضل إحلال العُمانيين محلّ الوافدين، ذلك الكمّ الهائل من الوافدين الذين ما يزالون يترنّحون في الكراسي العليا غير مُبالين بما تعانيه البلاد مِن نقصٍ في الوظائف وشحّ الأعمال.
الإحلال تمّت الموافقة عليه بأمرٍ سامٍ من لدُن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه؛ فلماذا لا يتمّ البتّ فيه والتعاون كي يسهل للمواطن أنْ يحلّ مكانهم، وبالتالي نستطيع أنْ نؤمّن معيشة المواطن العماني وأنْ لا نكدّره أكثر منْ ما مرّ عليه من صعوباتٍ واجهها، مثل هذه الحُلول التي تمّت الموافقة عليها يجب أنْ تسعى جميع المؤسسات إلى تنفيذها.
فالناس يفكرون في كيفية إيجاد حُلولٍ للأزمة ولا يفكّرون في زيادة حجم المشكلة، وكما يقول البعض “يزيد البحر جحلة”، للأسف فالكثير من القرارات والتي تصبّ في مصلحة أصحاب القرار دائماً تُنفّذ بسرعةٍ فائقةٍ ودون مُشاورة أو أخذ الرأي العام، ولكنّ الذي يصبّ في مصلحة المواطن نراهُ يمشي بشكلٍ بطيء، وربما سيُنسى مع الأيام وكأنه لم يكن شيئاً.
ولربما يُدار الموضوع من مسؤولٍ إلى آخَر بحثاً عن حلّ غير الحلّ الذي يصبّ في مصلحة المواطن.
المؤسسات الخاصة والحكومية ستستغلّ هذا القرار وتوظّف المواطن ب325 ريالا وتتناسى المؤهّلات وربما الكفاءة التي يتحدث عنها البعض، فالكفاءة لا تُسعفكَ لترقيتك أو مكافأتك في القطاعات الخاصة ولو فعلتَ الكثير والكثير، فهي لا تعترف بما يقدّمه الموظف، فما يُهمّها هو الربح وإعطاء الأجر المُتفق عليه، وبالتالي ستظلّ ال325 ريالا تراودكَ ككابوس في أحلامك طول المدة التي ستعمل فيها بهذه المؤسسة، إلا المؤسسات القليلة والتي أستطيع عدّها كونها لا تتجاوز أصابع اليد.
مثل هذه المؤسسات التي فعلاً تبحث عن الكفاءة وليست الشهادة فتُكافئ صاحبها بما تراه مناسباً.
الحدّ الأدنى للأجور سابقًا غير مُنصف والآن ازداد الظلم والإجحاف في حقّ أصحاب العِلم والشهادات العليا، فما المَغزى من أنْ تُكمل دراستك طالما أنّ الأمر فيه شيءٌ مِن المُواربة والصفاقة التي ينتهجها أصحاب القرارات، نريد مسؤولين يقدّروا المجهود العِلمي الذي اكتسبه هؤلاء الطلاب بعَرق جبينهم، شهادات حقيقية غير تلك المزيفة التي اكتُشفت في الآونة الأخيرة في الكثير من البلدان الخليجية وبلادنا أحدها، والتي يتغنّى بها الوافد ويتراقص بها من شركة لأخرى بحثاً عن المردود المالي الأكثر.
ختاماً، الشعب يريد الحرية والعيش الكريم ولا يريد الذلّ والمهانة، يريد شيئاً من نعيم الحياة الدنيا، يريد أن تضعوا الناس في منازلهم الاجتماعية والعلمية التي يستحقونها، فتراكم المشاكل والقرارات التي تُعيق سَير التقدّم والنجاح والتطور لن تكون إلا مِعوَلاً يهدم صرْح القامة التاريخية للإنسان العماني، عليكم أن تعرفوا ما يريده الشعب وما يتمناه وعلى سبيل أمنيته يأتي دوركم لتحقيق أمنياته بشيءٍ مِن المعقول لتضمنوا له العيش الكريم وينال أبسط حقوقه، ونأمل من مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- أنْ يرى هذا القرار بعينه التي لا تجحف حقّ المواطن ونحن نأمل خيراً مِن لَدُنه في أنْ يكسب القضية لمصلحتنا جميعاً.