رواية “المؤامرة والسيف” والأعمال الدرامية التاريخية
عبدالله بن سالم الحنشي
كثيراً ما قرأتُ عن التاريخ العُماني، واقتنيت العديد من الكتب التي بعضها ما زال ينتظر أنْ أزور صفحاته؛ لكي أنْهم مما حوته، وكان لنقاشات أبي النصيب الأكبر فهو المحفّز لنا، وبرزته الصغيرة التي يقيمها أمام محله التجاري حوَت على العديد من المناقشات والحكايات التي غالِبها في التاريخ العُماني سواء تلك الأحداث التي شهدوها بأنفسهم، أو التي سمعوا عنها، ولكنّ القراءة هذه المَرّة تختلف، فما حوَته رواية “المؤامرة والسيف” للكاتبة العُمانية فاطمة محمد بوشجر يأخذك إلى عُمق الأحداث.
تقع الرواية في قرابة 300 صفحة، وصدرت عن بيت الغشام، وقد قسّمت الكاتبة الرواية إلى 18 عنواناً بحسب الأحداث المتوالية والمتتابعة، واعتمدت الكاتبة على 35 مرجعاً، تنوّعت بين الكتب والدوريات والبحوث والمواقع الالكترونية.
تدور أحداث الرواية في أواخر دولة اليعاربة وإلى الصراع الداخلي في البيت اليعربي الذي أدّى إلى نشوب الفتنة الحزبية التي عُرفت بحزبَي الهناوي والغافري، وأدّت إلى نشوب الحروب الداخلية بين أطماع شيوخ القبائل وحرب السلطة بين الإمام سيف الثاني وابن عمه الإمام بلعرب بن حمير، والأحداث التي سبقتها بين الإمام مهنا بن سلطان ويعرب بن بلعرب، وإلى الأحداث التي تلت ذلك لاحقاً مِن تحالف سيف الثاني مع الفُرس، ودخول العجم وإفسادهم للأرض؛ وصولاً إلى لقاء التاجر أحمد بن سعيد البوسعيدي بالإمام سيف الثاني وتنصيبه والياً على صحار، والدور الذي قام به في توحيد القبائل والفتنة التي تَلت ذلك من الوشاية والغدر وصولاً إلى الحرب بين العُمانيين والفُرس، والانتصار وإعادة أحياء الدولة، وتنصيب أحمد بن سعيد إماماً على عُمان، وبذلك انتهت الدولة اليعربية وبزغ فجر الدولة البوسعيدية، والدور الذي قام به الإمام أحمد من بسط العدل وإرخاء السلام ونصرة المظلوم وأحقاق الحق إلى المساعدة ونصرة البصرة من العجم.
تمكّنت الكاتبة من مزج الأحداث بتوصيف الأماكن بدقة واستخدام المصطلحات الدارجة في تلك الفترة، وأخذ القارئ بخياله وكأنه يعيش تلك الأحداث، والحوارات بين الشخصيات في الرواية شيقة، وتعدد الشخصيات بين أصحاب السلطة كالإمام وشيوخ الدين إلى أصحاب حظوة الإمام والتجار والعسكر والخدم أضافت مزيجاً آخر للرواية.
لم تخرج الرواية من سياقها التاريخي، ولكن طريقة
السرد التي اتخذتها الكاتبة تضيف للقارئ روحاً مختلفة وطعماً مختلفاً يكاد لا يكون عند قراءة الكتب التاريخة التي تسرد الحقائق دون حبكة.
ختاماً، التاريخ العُماني يذخر بالكثير مما يساهم ويساعد لأعمالٍ تاريخيةٍ تضاف إلى الساحة الأدبية، وقد تم تصوير مسلسل تاريخي في عام 1995 بمسمى مسلسل “عُمان في التاريخ” ورغم أهمية المسلسل لكنه انتقص بشكل ملحوظ من تاريخنا المجيد، والمتابِع للأفلام التاريخية المختلفة ( العربية الأجنبية) أو المسلسلات التاريخية يجد أنها تتحدث بشكل مُسهب ومفصّل عن فترة معينة، والحبكة الدرامية المضافة جعلت المتابِع يتشبث بالشاشة، وينتظر الحلقة تلو الحلقة ليتابع الأحداث والتفاصيل.
تقول الكاتبة: “ستظل عُمان عزيزة صامدة لا تلين، ستظل تاريخاً مخطوطاً بمداد العزة والكرامة حتى يرث الله الأرض ومن عليها” ونحن يجب علينا أن نظهر هذا التاريخ بشتى الطرق، وعلى الجهات ذات العلاقة الاستثمار في هذا التاريخ المجيد، وصنع أعمال ترقى لعرضها على العالم أجمع.