ودع القلق وابدأ الحياة
كاذية علي سليمان البيمانية
نحن جميعا لدينا مخاوف تنتابنا عند اتخاذ أي قرار ، والذي بدورة يمكن أن يكون عائقا للنجاح ، وعقبة في إحراز التقدم ، وقد ينشأ الخوف بسبب التسويف في اتخاذ القرار ، ومع ذلك فإن معظم المخاوف التي تواجهنا كل يوم ليست قائمة على حقائق لأنها تتولد عن مشاعرنا الشخصية ، واظهرت دراسة أجرتها جامعة ميتشيجان أن :
60% من مخاوفنا لا مبرر لها على الإطلاق ولن تتحقق أبدا .
20% من مخاوفنا تركز على ماضينا ، الذي يقع خارج نطاق سيطرتنا بالكامل .
10% من مخاوفنا قائمة على صغائر الأمور لذلك لا تصنع فارقا في حياتنا .
(4-5)% فقط يمكن أن تعتبر مخاوف مبررة .
ويظهر من خلال هذه الإحصائيات أن أي وقت أو طاقة تعطيه للخوف هو وقت مهدور في 95% من الوقت .
قال محمد العزالي في كتاب ” جدد حياتك ” (قد يخبط المرء في الدنيا خبط عشواء ، وقد يصحبه خداع النظر في تقديره للحقائق المحيطة به) لذلك فإن على الإنسان أن يستخدم تفكيره وحواسه في تعرف ما حوله ، حتى يتمكن من تحديد خط سيره بعيدا عن الظنون والتخريصات.
وقال مستعرضا كتاب (دبل كارنيجي ) الذي أعاد طرح أفكاره بأسلوب شيق رابطا إياه بالفكر الإسلامي وبأدلة من القران الكريم والسنة النبوية وحيث وضح أن الأفكار التي جاء بها دبل كارنبجي لهي من القيم المتعمقة التي دعا إليها ديننا الحنيف ، حيث أن دبل اختصر حل أي مشكلة في ثلاثة خطوات وهي : استخلاص الحقائق ، وتحليل هذه الحقائق ، وأخير اتخاذ القرار الحاسم ، ثم العمل بمقتضى هذا القرار.
فالخطوة الأولى تفرض علينا التأمل الهادي فيما حولنا لتجميع الحقائق الواضحة ، وإرساء سلوكنا على قواعد، وعلل الغزالي هذه الخطوة بأن سببها أن الانسان إذا أحب شيئا ما فأنه يغفل وقد يظل عن الحقيقة ، وبالتالي لا يوفق للوصول إلى الحل الصحيح ، وقال وكأن دبل يفسر قولة تعالى ( كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ)
[سورة البقرة 266]
إننا قلما نعنى بالحقائق ، وإذا حدث أن حاول أحدنا استخلاص الحقائق فإنه يتصيد منها ما يعضد الفكرة الراسخة في ذهنه ، ولا يبالي بما ينقصها ، أي أنه يسعى إلى تسويغ عمله ، وتنسيقه مع أمانيه ، وتوافقها مع الحلول السطحية التي يرتجيها “.
ومن هنا فعلينا أن نفصل بين عواطفنا وتفكيرنا ، وأن نستخلص الحقائق المجردة بطريقة محايدة .
أما الخطوة التالية فإنها تتبلور في استشعار السكينة التامة في تلقيها ، وضبط النفس أمام ما يظهر محيرا أو مروعا منها , فإذا كنت تفكر بأن عملية الانسحاب تمثل أزمة لديك وتثير قلقك ما عليك إلا أن تسأل نفسك ما هي أسوء الفروض التي يمكن أن تحدث لك، ومن ثم جهز نفسك لقبول الأسوأ وابذل ما في وسعك لإنقاذ ما يمكن أنقاذه .
واخيرا عليك أن تنفذ بحزم القرار الذي وصلت إليه لا تلفت للمخاوف بل اركن لسكينة قلبك وعش لحظتك ، لا تطيل في عملية الاستشارة ، وسؤال الأخرين عن تجاربهم فأنت لست هم ، فلكل شخصية أسرارها الكامنة التي لا يصل إليها إلا صاحبها والتي أفرده الله بها ، حتى لا ترجع لنقطة القلق والمخاوف ، لا تنتظر فوات الأمر كي تكتشف قائمة الندم الخاصة بك ، فيزيد من ترددك ، فالأشياء التي ستندم عليها في المستقبل هي التي ترددت بفعلها في الحاضر ،أحسم أمرك وتؤكل على الله وخذ بالأسباب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خِمِاصاً وتروح بِطَاناً” خماصًا: جياعًا، بطانًا: مُمتلئات البطون.