النقد الأدبي بين التوجيه و التجريح
كتبه – فتحية الفجري
تواصل لجنة كتاب وأدباء محافظة شمال الباطنة فعالياتها المجدولة في روزنامتها عبر البث الإلكتروني ومع ضيف جديد في برنامجها الأسبوعي مع الأستاذ سعيد أحمد المقبالي معلم أول لغة عربية والحديث عن (النقد الأدبي بين التوجيه والتجريح)، يستضيفه الدكتور حميد الشبلي عضو بلجنة كتاب وأدباء محافظة شمال الباطنة، وفي بداية حديثة حول النقد الأدبي محاورا ضيفه،،
_مع أو ضد :
النقد يعد عملية بناء تبين مكامن القوة و الضعف في العمل الأدبي و آلية للتفريق بين ما هو غث و سمين فيه، للوصول إلى أعمال ذات جودة عالية و رصانة ؟
النقد إصطلاحا: هو فن أدبي، يهدف إلى دراسة الأثر الأدبي أو الفني وتفسيره وتحليل وموازنته بغيره المشابهة له أو المقابل ثم الحكم عليه لبيان قيمته و درجته.
عندما قلنا بأنه فن أدبي لأن النص النقدي لا يختلف عن النص الأدبي من حيث تلقي المتلقي له و الاستمتاع بقراءته وتذوقه، هدفه دراسة الأثر الأدبي أو الفني
الأدبي :من شعر ونثر، والفني:هي الأعمال المرئية أو المسموعة.
ووظيفة النقد تفسير هذه الأعمال وتحليلها ثم موازنتها بغيرها المشابهة لها المعاصر أو السابق لها في الزمن ثم الحكم على هذا العمل الأدبي لبيان قيمته ودرجته وذلك قائم على الذوق تبعا لبعض المقاييس الجمالية.
يسهم النقد الأدبي في خلق ذوق أدبي لدى الكاتب أولا ولدى المتلقي ثانيا وتشكيل أذواقهم الفنية وتربيتها وفتح المجال للملتقي لإلتقاط الأسباب الواقفة وراء جمالية النص الأدبي وبالتالي الحكم على النص الأدبي بالجودة أو الردائه، والقبول والإستحسان، أو النبذ والهجران، والنص الأدبي عندما يخرج من يد كاتبه للعلن يصبح ملكا للناقد الذي يقتحمه بكفاءته النقدية الذي تجعله مؤهلا للحكم على النص الأدبي وهذا مايدفع الكاتب للإصغاء للنقد ليتعرف على جوانب الإبداع في عمله الأدبي والأثر الذي تركه في المتلقي وهل لعمله الأدبي علاقة بالأعمال الأدبية الأخرى المكتوبة في الوقت ذاته أو السابقة له أم أنه كان متفردا فيما جاء به، هنا يتضح الإبداع.
وأبرز َوظيفة من وظائف النقد الأدبي الكشف عن مكامن وملامح الإبداع والتفرد في العمل الأدبي. فالناقد يقيم نصا نقديا جديدا فوق النص المبدع الأصلي، ولكن قدرات النقاد متفاوته والأدوات النقدية تختلف من ناقد إلى آخر، والخبرة تعامل النصوص متفاوته من ناقد لآخر، فبالتأكيد هنا نقول أن النقد عملية مهمة ولازمة لتطوير كافة أنواع الإبداع مع التطور الكبير الذي تشهده الأجناس الإبداعية فالناقد يذكر مكامن القوة ومكامن الضعف في العمل الإبداعي وقد يقترح أحيانا حلولا تعين المبدع على تطوير عمله وهو هنا يهتم في قيمة الشيء.
_من وجهة نظرك بماذا يجب أن تتميز العلاقة بين الناقد و الأديب؟
العلاقة بين الناقد والأديب أو الكاتب علاقة من نوع خاص، ربما يلتقيان من خلالها في منتصف الطريق أو آخره، أو يختلفان منذ أول خطوة فيه ليكونا كقطبي مغناطيس يتنافران أو يتجاذبان لأن مايجمعهما أولا وأخيرا هو الإبداع والتفرد وإنتاج شيء جديد.
إن العلاقة بين الناقد والكاتب ليست علاقة معلم بتلميذ، بل أرى أن العلاقة بينهما تكاملية، يضع من خلالها الناقد يده على مواضع خلل في النص، ليلفت انتباه كاتبه لأشياء يقوم بها دون أن ينتبه لوجود الخلل مما يؤدي إلى تقديم أفضل نتاج أدبي. فأهمية النقد تكون في إلتقاء الناقد والكاتب عند نقطة، ربما فيها الأول مالا يراه الثاني لينير له الطريق فيما وراء النص، يأتي دور الناقد بعد الكاتب،يكون كعدسة مكبره ترى ماوراء النص، أما الكاتب يرى تفاصيل ليقدمها للمتلقي من خلال فكرة يركز عليها…
فالناقد متسلح بأدوات تضيء على النص ولاتنهش فيه، فالنقد منهج ورسالة وهدف الناقد أن يبرز محاسن وجماليات النص قبل مساوئها باتفاق النقاد مؤكدين بأن كل نص يتناولونه أمانة بين أيديهم.
_ النقد الجارح يترك أثرا سلبياً في النفس ، كيف يختار الناقد الادبي منهجاً يتميز به عن غيره من النقاد لتأدية رسالته على أكمل وجه بعيداً عن تجريح المتلقي أو عكس انطباع سلبي على الأديب ؟
هنا العلاقة بين الأديب والناقد رغم أنها علاقة تكاملية إلا أنها علاقة غير مستقرة، وهذه ظاهرة قديمة جديدة،على الصعيدين العربي والعالمي، فهناك أحد الشعراء الروس يدفعه هجوم النقاد إلى الانتحار، ولو أخذنا على الصعيد العربي، فإن أحمد شوقي ونظرته الحصيفة بطبيعة النقد وظيفته ماكان لدى أدبائنا حساسية من النقد الأدبي لنصوصهم وهذا عميد الفن العربي محمد عبدالوهاب في بداية نشأته في الغناء يهاجمه النقاد في الصحافة الفنية، فيذهب شاكيا لأمير الشعراء الذي تحمس له وتبنى موهبته فقال عبدالوهاب لشوقي أن النقاد يهاجمونه بقسوه وبأنه لايصلح للغناء، فأجابه شوقي:أتيني بجميع الصحف التي هوجم فيها قال له ضعها علي وأصعد فوقها فقال له شوقي هل رفعتك الصحف؟!
أجاب :نعم..
فقال شوقي هذا في صالحك ولو أخذنا بحكمة شوقي ونظرته لما كانت لدينا حساسية من النقد الأدبي لنصوصهم ولما تملكهم سخط وانفعال من النقد الجاد، قد ينفعهم لتطوير تجاربهم الأدبية ويحفزهم لمزيد من الإبداع والتحدي.
وسؤالي هنا هل قللت تهجمات العقاد والمازني من مكانة أحمد شوقي وحافظ إبراهيم الشعرية، لشيء حين اعتبراهما صنمين لابد من تحطيمهما وهناك نقد كثير لهما، لم يقلل من شأنهم.
وهنا نطالب الناقد باستحضار الروح النقدية في نقده وإلتزام الموضوعية، ومعرفة أن العمل الذي يقوم به أمانه، لكن لابد من النقد الجاد الذي يضيء مواضع أقلامنا على الطريق ويوضح مجال الرؤية ويسهل لنا حركة الإبداع، وفي غياب الروح النقدية التي يجب أن تقابلها روح أدبية عالية لتقبل النقد والتعامل معه، قد تختلط علينا المواصفات والمقاييس للأدب الجيد والمعافى وتضعف لدينا القدرة على البصر والإستشراف بمدى تجاربنا الأدبية الحديثة وتدب الفوضى ويختلط الغث بالسمين لما يطرح من أعمالنا الأدبية مما يؤدي إلى تداعي الحركة الأدبية وتقوقعها على ذاتها وركونها إلى بطء التقدم ونمو الإبتكار.
إن في عدم تقبلنا للنقد الحصيف والجاد وإعراضنا عنه وتذمرنا منه ظلم كبير فكل عمل أدبي لايحضى بإضاءات نقدية تبرزه وترفع من قيمته الإبداعية يظل عملا ناقصا مهما اكتمل.
وآخر سؤال يطرحه الشبلي على ضيفه،
_ مع أو ضد
( نظرة سوداوية) :
الأدب يكرر نفسه و الشعر يأتي متكرراً و الروايات متشابهة و المسرحيات منفرة و القصص ليست مشوقة و المقالات جداً مطولة و حيث ما ذهبت وجدت شخصاً ما سبقني؟
نقول هناك دوما شيء ما يستحق الكتابة ولكن مايكتب بلا جهد سيقرأ بلا متعة.
وختم الأستاذ سعيد المقبالي حديثه برسالة لجميع الكتاب والأدباء قائلا :
إن النقد الأدبي يقوم اليوم على قواعد وأصول موضوعية، وهو و إن بدأ على شكل تفاعل بين العمل الأدبي وشعور المتلقي وهو ما يسمى بالذاتية أو الانطباعية لايمكن أن يعتمد على هذه الذاتية وحدها، وأن يتخذ منها أساساً موضوعيا، فلابد أن يكون لدى الناقد أصول تنبهه على ضرورة الخروج من تأثير الشعور المبهم وعلى ضرورة إشراك الآخرين معه في الأسباب التي حملته على استحسان ما استحسن أو استقباح ما استقبح وبذلك يخرج النقد من دائرة الذاتية المغلقة إلى أفق الموضوعية الرحب معتمدا في الحكم على عناصر كامنة في العمل الأدبي، ويختلف النقاد في الأصول التي يعتمدون عليها في دراسة الأدب في المعايير الذي يحكمون بها عليه، والتركيز على جانب دون آخر، َلكن النقد الذي يحضى بالقبول و أن يستوفي حظا من الإقناع والموضوعية هو النقد الذي لم ينحدر من رحم الذاتية وحدها ويتكئ على حدس الإنطباع الذوقي المجرد، وإنما احتكم على معيار موضوعي معين قد يكون فنيا أو نفسيا أو تاريخيا أو خلقيا أو دينيا أو غير ذلك، حسب المنهج الذي يتبناه الناقد فقد يراه أقدر على درس العمل الأدبي وتحليله وتطويره.