2024
Adsense
مقالات صحفية

التحصين الفكري في ظل العولمة

د. رضية بنت سليمان الحبسية
Radhiyaalhabsi@gmail.com
تُواجِه الحُكومات تحدياتٍ كبيرةٍ في سَعيها لصيانة المجتمعات وحمايتها. ومِن أهمّ تلك التحديات: الانحرافات السُّلوكية والفِكرية لكثيرٍ مِن فِئات المجتمع على اختلافِ أعمارهم، والتي شاعت بفِعل الثورة الإعلامية التنافسية التي تُقدّم الكَمّ الهائِل مِن المعلومات والمحتويات دون تَفكُّر أو تَدبُّر، بالإضافةِ إلى التقدّم التكنولوجي المُتسارع الذي جعل عملية التواصل سهلة مُيّسرة بين أفراد المجتمع الواحد ومع المجتمعات الأُخرى.
تُعدّ وسائل التواصل الاجتماعي أَحد الوسائل الجماهيرية الرائدة كَمنبر لتناقُل المُحتويات والأخبار على اختلاف مصادِرها وغاياتها، كما أصبحتْ جزءاً لا يتجزأ مِن حياة الكثير مِنّا بعدَ ظهورها وانتشارها السريع في المجتمع.
ولا يقتصر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على فِئة عُمرية أو فِكرية مُعيّنة، بل إنّ الأمر مُتاح للجميع، كما أنّ وسائل التواصل الاجتماعي أصبحتْ أيضاً وسيلةً جذّابةً لا تقف عِند حدّ مُعين، ودائمًا في تَجدُّدٍ، وتَشدُّ إليها كل من يُطالعها.
إنّ وسائل التواصل الاجتماعي، اكتسبتْ أهميتها من خلال توفّر الإنترنت، وتختلف طبيعة التواصل من موقع لآخر. وقد فتحت المجال للتفاعُل والاحتكاك البشري، وتُتيح الفرصة للتفكير والاطلاع والحوار، وتبادُل المعلومات في شتّى المجالات والميادين.
كما أنّ المتُمعّن لواقع الاستخدام اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي، يُلاحِظ أنّ أكثر هذه الوسائل استخدامًا هو برنامج الواتساب والانستغرام والسناب شات؛ لكونها وسائل سريعة ومجانية لمشاركة الأفراد حياتهم واهتماماتهم مع الأصدقاء والعائلة من خِلال الرسائل والصُّوَر أو الفيديو، ناهيك عن بقية الوسائل كبرنامج تويتر والفيسبوك، التي تُعتبَر مساحة عامة لكل الناس على مستوى العالم بفعل العَولَمة.
والمتأمّل في طبيعة المُمارسة اليومية لوسائل التواصل الاجتماعي، يُدرك خُطورة الاستخدام غير الآمِن لتلك الوسائل، والتي لا تتعدّى في أحيانٍ كثيرةٍ شغَف الفوز بالسبْق الصحفي لتناقل الأخبار والأحداث اليومية. ولكي يحصد المستخدم الفوائد الإيجابية من وسائل التواصل الاجتماعي، عليه أن يكون ذا حِسٍّ نقدي، يُميّز بين الصالح والطالح؛ حتى ينخل الأفكار التي يتلقاها ويُمحّصها، بل يجب عليه أن يتمعّن، ويتدبّر؛ حتى يأخذ ما هو أهلٌ للأخذ، ويطرح ما هو أهلٌ للنفور والاشمئزاز.
كما ينبغي على المُتابع أو القارئ أو المتصفّح أنْ يتعرف على فَحوى المادة الإعلامية، والتحقق من تأثيراتها، ومعرفة من يقف خلفها، وتحديد الأهداف التي يُريد الوصول إليها من خلال ما يُبثّ عَبر تلك المِنصّات الإلكترونية.
فكَمْ مِن مواقف حَرِجة، وكم من قضايا أخلاقية كان وراؤها ضحايا الاستخدام الجاهل لتلك الوسائل وما تتضمنه مِن دسائس فكرية، خُلقية، دينية، سياسية، أو سلوكية، والتي بدورها تُسهم في إحداث الشِّقاق والفتن وشيوع الانحلال الأخلاقي والانحطاط الفكري في المجتمع؛ بسبب قلة معرفة المستخدم بالجانب التقني أو اللغة التي تعتمدها تلك البرامج، وعدم التيّقن من مصادر ما يصل إليه من محتوى.
إنّ الحاجةَ إلى الاهتمام بالتحصين الفكري وتنمية مهارات التفكير وإعمال العقل والتدبّر بات أمرًا حتميًا، وذلك يحتاج إلى تضافُر كافة الجهود الفردية والمؤسسية في المجتمع؛ مِن أجل الارتقاء بحياة الناس وسلوكياتهم وضمان العيش في سعادة وسلام، وهنا نستدِلّ بقوله تعالى:
(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)
(الزمر، الآية 18)

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights