الطفل والقانون
ظافر بن عبدالله الحارثي
وضعت القوانين تعريفًا لحياة الإنسان التي تبدأ شخصيته بتمام ولادته حياً وتنتهي بموته، كما نظمت مراحل نموه وحددت الواجبات والحقوق المقررة في كل مرحلة، ولم تغفل تنظيم جانب المساءلة لتوقيع العقوبة والتي غالبًا تكون مناسبة لسن الإنسان المُخالف؛ فاعتبرت بلوغ الإنسان لسن الثامنة عشر دون أن يعتريه أي عارض من العوارض التي تتمكن من قواه العقلية لتعيب إرادة كامل الأهلية، سواء تلك الأهلية التي تمكنه من الإتيان بتصرفات وأعمال قانونية أو تلك التي تمكنه من تلقي الحقوق بأنواعها، أما الإنسان الذي لم يبلغ الثامنة عشر بعد؛ أسماه حدثًا وطفلًا، مع مراعاته لبعض الأعمار التي أعطاها صلاحية القيام بتصرفات في نطاق ضيق محدود كالقاصر الذي بلغ الخامسة عشر .. واهتمامه بالفئات العمرية كتحديد سن التمييز بالسابعة وسن مساءلة الطفل الجانح (الذي ارتكب فعلاً يعاقب عليه القانون) بالتاسعة.
ربما يبدو للوهلة الأولى وخصوصاً لغير المتخصص أن هذا التنظيم ما هو إلا تعقيدا للأمور، ولكن في سياق الممارسة تتضح أهمية وضرورة تنظيم التشريعات لكل المسائل بحسب الأعمار وطبيعة الأفراد حتى تترجم قيمة العدالة وتجسد روح القانون، وعلى هذا الأساس أوجدت قوانين تختص بهذه الفئة العمرية وعلى وجه التحديد الطفل، كقانون الطفل الذي يتناول الحقوق بأنواعها: المدنية، الصحية، الاجتماعية، التعليمية، الثقافية والاقتصادية. علاوة على ذكرها حقوق الطفل المعاق وآليات الحماية .. وأيضاً كقانون مساءلة الأحداث وغيرها من التشريعات ذات العلاقة بهذه الفئة والتي تطورت من لجان تتبع وزارة التنمية الاجتماعية ولجان شؤون الأسرة وحقوق الإنسان حتى وصلت لتشريعات مسماه تخص بشكل مباشر الطفل، علاوة على ذلك انضمام السلطنة لبروتوكولات واتفاقيات دولية وظهور جمعيات خاصة تتابع سير حياة الطفل.
كل هذه الجهود مؤشر واضح على اهتمام الدولة، ولكن ما إن لم تجد ثقافة قانونية ووعي لدى الأفراد للأسف قد نرى تصرفات تشكل انتهاكا لحقوق الطفل ومسيئة لعملية التربية الصحيحة التي تنبثق من تعاليم ديننا الإسلامي السمح الذي يفرق بين عملية التهذيب والتأديب وبين ما هو غير محمود ولائق، رغم ذلك من باب الردع والزجر وضع المشرع آليات لإبلاغ تصرفات مخالفة ضد الطفل وحدد محكمة خاصة ووحدة شرطية متفرغة لكل ما يخص الطفل .. فالقانون يحافظ على شخصية الأفراد القانونية في كل الأحوال والأعمار، بل في الحقيقة حتى وهو في بطن أمه يكتسب حقوقًا وهو ما يسمى حقوق ما قبل الولادة وأيضاً حقوق بعد الولادة أي في سن الرضاعة.
ومن خلال الجانب النظري المتمثل في البحث والقراءات والجانب العملي المتمثل في الممارسات وتتبع قضايا الطفل، نلاحظ بأن القوانين قررت حقوقا يكتسبها الطفل وحرصت على أن يتلقاها بل وكفلت آليات لحمايتها، كما حددت الإجراءات المتبعة في حال مخالفة الطفل للقوانين وماهية طرق المساءلة وتقرير العقاب المناسب؛ كما شرعت في توضيح الممارسات التي تفرق بين التربية وبين الانتهاك والتي أراها أخذت من ديننا الإسلامي وكما شرَّع المولى وأمرنا به، ليكون القانون الوضعي من قبل الناس متوافق مع القانون الإلهي لرب الناس.