بقلم : د . علي زين العابدين الحسيني
باحث وكاتب أزهري
رغم صعوبة الظروف وشدتها التي يمرّ بها أيّ شخص في هذه الحياة إلا أنّه مدينٌ لها بالشكر والعرفان، فقد تعلم من خلالها الفاضل والمفضول من الأعمال، وتعرف على المهم والأهم من الأفعال، وميز بين المحب والعدو من الأشخاص، واطلع من خلالها على معادن الناس.
الظروف مثل النجوم في معرفتنا بالحياة وما فيها، فلا يرى النجم إلا في الظلام، وتزداد رؤيتنا له كلما كان الظلام حالكاً، وهكذا الحياة بمَن فيها تزداد معرفتنا بهم في الشدة، فلا يظهر حال مَن حولك إلا وقت الحاجة، وكلما زادت الشدة زادت رؤيتنا للحياة.
من قواعد النجاح الشاهد على صدقها الواقع أنّ علو الهمة تنشأ عن الظروف الصعبة، ففي غالب الأحيان يجعل الله الظروف الشديدة المحيطة بك مقدمات لآمالٍ عظيمةٍ على أنّي أعلم أنه لا شيء أثقل على نفسك من محاولة تفريغ نفسك للوصول إلى النجاح لكنّ بعض الظروف تحول دون ذلك.
إنّ تحسن الظروف، أو انتظار تغير الأحوال للأحسن يحتاج إليها عادة ذو العزم الضعيف؛ ليشد من عزمه، وأما ذو الهمة فَيُحول الظروف لما هو أحسن، متجاوزاً ما يمرّ به من عقبات للطريق، وقلّ من ينتظر تحسن الظروف فينجح.
ليست الظروف عائقاً في حقيقتها للوصول إلى النجاح، وإنّما يعوق طريقك للوصول إلى هدفك أن تضل الطريق، أو تقعد عن السير، أو تنقطع عن الهمة، لكن إذا عرفت غايتك، وسرت في سبيلك وإن كان سيرك ضعيفاً فيوشك أن تصل لمبتغاك.
لا يشغل ذهنك أن يكون سيرك ضعيفاً وعملك صغيراً، فالعمل الصغير أو السير الضعيف مع بذور المداومة والجد والمواظبة يكون كبيراً مؤثراً، وأقلّ أحوالك أنك سرتَ في طريقٍ محاولاً الوصول إلى أهدافك وتحقيق إنجازاتك، وهو في حد ذاته إنجازٌ.
كثيرٌ من الأحلام المستحيلة والأهداف غير المحققة قد ترجع إلى بُعد المسافة بين الأمل والحقيقة، فإذا أراد الإنسان مستقبلاً باهراً أو تحقيق أمانيه فلينظر إلى مسافة المستقبل والهدف وحقيقة تنفيذه في الواقع، فإذا كانت المسافة بعيدة فاعرف أن الأمل في المستقبل ضربٌ من الخيال.
ينبغي التنبه أيضاً إلى أن كثيراً من الجهد والكد عند بعض الراغبين في النجاح ربما يكون ضائعاً فيما لا فائدة منه، فليس التعب ميزاناً توزن بها الأعمال، فلعلك تعرف كثيرين يجلسون أوقات طويلة في أعمالهم لكن مع مرور الوقت فإن عملهم دون أثرٍ ظاهر.
إنّما يضاف إلى الجهد شيءٌ مهم، وهو كون الهدف واضحاً والعمل نافعاً، فَقَبْل السيرِ في طريقك عليك التأكد أن هذا العملَ نافعٌ حتى لا يضيع وقتك فيما لا فائدة مرجوة منه .
