قرار التقاعد
يعقوب الراشدي
عندما قررت تقديم استقالتي من العمل شجعني البعض ونصحني آخرون بالتريث ، فكانت نصائح التريث هي في ذاتها في نظري تشجيعاً لي على الإقدام نحو التقاعد.
حزمت أمري وتوكلت على الله فقدمت رسالة استقالتي للمدير المباشر طالباً منه التوقيع عليها دون تأخير ؛ غير أنه والحق يقال لم يوقعها كما طلبت منه بل وضعها في درج مكتبه أياماً لعل الله يهديني وأتريث قبل الموت قاعداً كما يحلو للبعض الوصف، لكنني في النهاية أدخلته في معسكر التشجيع فوقعها . وبذلك أصبحت من فئة المتقاعدين وليس ممن يوصفون “بالموت قاعدين” كما يحلو للبعض التسمية.
خرجت للتقاعد وشعرت بالحرية في مقابل الالتزام النفسي والشعور بالتقييد والمراقبة ، لكن مع هذا الإنتعاش هناك شعور قوي يخالج النفس لم أستطع التخلص منه إلا بعد مدة ليست باليسيرة وهو شعور الفقد. فليس من السهل أن تنفصل انفصالاً كاملاً من عباءة الزمالة والأخوة التي عشتها لسنينٍ طويلة مع أسرة العمل ؛ خاصة أن عملي كتربوي وفي محيط تربوي تغلب عليه المبادئ والقيم التربوية ، التي هي صميم عملنا في تنشئة الأجيال، فعملنا نحن التربويين يختلف اختلافاً كبيراً عن بقية الأعمال الإدارية والخدمية الأخرى . فنحن نتميز بميزة الشعور والإحساس التي نرتكز عليها في ممارسة عملنا في المدارس -ربما يشاركنا فيها الطاقم الطبي- لذلك كما ذكرت سابقاً عانيت الكثير من الشعور بالفقد لكنني مع مرور الأيام بدأت أتخلص منه ؛ إما بالاستسلام للأمر الواقع أو باستبدال تلك الرفقة برفاق آخرين. فنفضت عن ظهري تلك العباءة وحدثت نفسي بحديث المسلي أنه مهما كان بينك وبين زملاء العمل من علاقة قوية لابد أن تفقدها عندما تفقد الرابط والصلة التي أُسست عليها . لذلك يجب التخلص منها ، والتغلب عليها قبل أن تضيق النفس وينعكس ذلك الشعور على أسرتك ومجتمعك الجديد من حولك. فقد تعود عليك أولادك وزوجتك وأسرتك بشكل عام على الخروج للعمل والعودة منه مع ما يرافقهم من إحساس بالمسؤولية داخل البيت وخارجه ، فأنت في نظرهم موظف تقوم بعمل ما تتقاضى من خلاله راتباً يسد لهم متطلبات الحياة المستقرة ، فكنت توفر لهم ما يشتهون وربما أكثر من ذلك ، أما اليوم أنت متقاعد تحول حالك النفسي إلى حال أخرى غير التي عهدوها وعهدتها ، فإن لم تتمالك نفسك وتوازنها بكل أبعادها ربما لا قدر الله تشعر أسرتك بهذا الانقلاب الذي لا تريده بالطبع ولا يريدونه ، ولطرد هذا الشعور حاولت أن أخلق لنفسي أعمالاً أقضي الوقت فيها بغض النظر عن الربح المادي فكان تحقيق الربح المعنوي هو هدفي الأسمى.