بورصة الشُهرة
وليد الجابري
الشُهرة إعجاب ونجومية وضوضاء لذيذة، ولكنها تُفقِدك التوازن أحياناً، والخوف هُنا أن تتحول الشُهرة إلى هَوس، وهي ظاهرة مرضية نفسية تفشت في مجتمعاتنا، مثل عرض تفاصيل الحياة الشخصية على الملأ، وعرض التعامُل مع أفراد أُسرته وغيره من التعري الاجتماعي لِفرض الشُهرة.
وغرض الشُهرة يأتي لهدف لفت الانتباه، وجاء في علم النفس بأن لفت الانتباه حاجة نفسية غريزية وبالكاد لا تختلف عن الحاجات الجسدية البيولوجية والحاجات الاجتماعية العاطفية، وإذا أصبح جُموح الظهور عالياً تحول إلى حالة مرضية وأصبح مهووساً بالاستعلاء والكِبر ودونية الناس من حوله، ولِهوس الشُهرة أسباب نفسية كصِراعات نابِعة من عُقد نفسية سلوكية اجتماعية أو حالة فَشل لمواقف في حياته وتغذت نفسهُ بتربية عَوز المكاسب على حِساب القيم، ويُصاحب الهَوس أحياناً حالة اِكتئاب تسمى اِضطراب ثُنائي القُطب في حالة عدم رضى متابعينه عليه، فالذي ملكُه هوس الشُهرة يبني أحلام واهية غير متصِلة بالواقع لأنهم خلقوا لإنفسهم صورة غير واقعية وحياة مُزيفة، فمنهم من يخلق حوارات مُفبركة ليكونوا أكثر قُرباً من المتابعين، ويوهِم نفسه بأنهُ صنع لنفسِهِ هالة كبيرة بِشقاء وتعب فيصبح أنساناً عاشقاً للمدح والثناء.
فالمُتابع لمثل تِلك الفئة لا يبتعد بعيداً عن شعور المُتابع، فهو قابع في ساحتهِ ليقتنص أي صورة أو فيديو يقوم بإدراجه المشهور، كصورة بزي جديد أو فيديو لرحلة سفر يتباهى بها وكثير من المرفقات التي لا تعود بالفائدة سوى حُب الفضول.
أين هُم من مشاهير العِلم والأدب والفكر والعلوم والسياسة، احترموا أنفسهُم فاِحترمهم الأخرون لأن شُهرتهم اِجتهاد شخصي وعمل دؤوب، لمثل هؤلاء يُفترض أن نُقلد وأن نمشي على خُطاهم لما ذلك من فائدة علمية فكرية تستفيد منها وتُفيد من حولك، وأين هُم مِن أُناس جابهوا الحياة بطلب التجارة أو العلم أو الطب فذاع صيتُهم بعد عشرات السنوات، اكتسبوا معرفة الناس لهم بعد مُضيهم بحياة ومواقف عصيبة.
وهنا يجد السؤال مكانه.
لماذا لا تستغِل تِلك الفئة المشهورة جُملة المتابعين بِاكسابهم عِلم ومعرِفة؟
وعلى الجانب الآخر هُناك عدد من المشاهير تُرفع لهم القبعة، فمنهم من ينشُر مقاطع توعوية ومنهم من ينشُر تجربته سواءً في المجال التكنولوجي أو الزراعي وكثير من المجالات التي تعتبر بمثابة قيمة إضافية للمُتابع.
وهُنا يأتي دور المجمتع وبالأخص أولياء الأمور في متابعة أبنائهم وزرع فيهم حقيقة ما يدور في وسائل الاجتماعي ونبش معتقداتهم المرسومة لفئة المشاهير الفارغين وبِأنهم ظلام في نهاية النفق وليسوا نور، وإشغال الأبناء بأنشطة تعود إليهم بالنفع في حياتهم القادمة، وأيضاً دور المنابر الإعلامية لمثل هذه الظاهرة وبث برامج توعوية لكافة شرائح المجمتع للتفضيل بين ما هو مفُيد وما هو مضيعة للوقت في ذات الشأن.