رثاء لأخي الذي لم تلده أمي/ عارف بن أحمد المحروقي
سليمان بن علي الراشدي
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، أنعي أخي وصديقي ورفيق دربي، عارف بن أحمد المحروقي، الذي غادر دنيانا الفانية تاركًا في قلبي وفي قلوب محبيه فراغاً لا يملأه أحد. رحل تاركًا وراءه ذكريات نقشت في أعماقنا، وكلمات أضحت أمانة في أعناقنا.
عارف، كان لي أكثر من أخ، سندًا وناصحاً وشريكاً في الأفراح والأتراح.. قبل رحيله المؤلم، ودعني بطريقته الخاصة والتي زادتني ألماً على فقده، وأوصاني بالدعاء له، وهي وصية ستظل دَيناً على عاتقي أحمله في قلبي ما حييت.
لقد تأخرت في كتابة هذا الرثاء، لا لعدم شعوري بمرارة الفقد، ولكن لأن صدمة رحيله كانت أكبر من أن تُترجم إلى كلمات، وكان ألم الفراق يعجزني عن التعبير طوال تلك الأيام.. كيف أكتب عن غيابه وهو الذي كان يملأ حياتي حضوراً، بصوته وضحكته وروحه الطيبة؟
سأفتقد تواصله الدائم الذي كان يملأ يومي بالبهجة، وسأفتقد مزاحه وضحكاته التي كانت تنعش الروح وتخفف عني الكثير.. كان بروحه الطيبة وخلقه الرفيع مثالاً للإنسان الذي يجمع القلوب من حوله بمحبة خالصة، ويفيض بالعطاء دون مقابل.
أسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، ويجمعنا به في مستقر رحمته.
يقول الله تعالى:
“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا”- [سورة الكهف: آية 107].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ”. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
اللهم اجعل أعماله الصالحة شفيعاً له، وارزقه من نعيمك المقيم، وبلّغه الفردوس الأعلى بغير حساب ولا سابق عذاب.
أعلم أن المصاب كبير، وأن الحزن يعتصر القلوب، ولكن بالصبر والاحتساب عند الله هو أعظم ما يخفف الألم.
يقول الله سبحانه وتعالى:
“وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)”-[سورة البقرة].
فارقنا “عارف” لكن بقيت سيرته العطرة ومحبته الصادقة، وكل ذكرى جميلة صنعها بيننا.. نستودعه عند أرحم الراحمين، وعلى ثقة وأمل أن الله سيجبر قلوبنا ويرزقنا السكينة والسلوان.
اللهم اجعل “عارف” ممن قيل فيهم:
“يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي”-[سورة الفجر: الآيات 27-29].
ونقول كما يقول الصابرين: إنا لله وإنا إليه راجعون.