تربية الأبناء بنكهة التكنولوجيا
أحمد بن موسى بن محمد البلوشي
٥ يوليو ٢٠٢٠م
يتّسمُ العصر الحاليّ بالتقدم العلميّ، والتكنولوجي الهائل، والذي أسهم في إحداث كثير من التغيّرات، والتطورات في شتى المجالات، أهمّها: الاجتماعية، والتربوية، والتعليمية.
ولا نستطيع أن ننكر أن التكنولوجيا الحديثة أمسكت بزمام الأمور في الحياة العصرية، وسيطرتْ على أساليب حياتنا المختلفة: علميًّا، وفنيًّا، واقتصاديًّا، فنقلتنا من الجمود الواقعي إلى عالم مفتوح النهاية ليس له توقّعات أو حدود.
ولاشك أنَّ للتكنولوجيا أثرها الإيجابي في حياتنا المعاصرة، فقد يسّرتْ الكثير من أمور الحياة، ووفّرتْ الوقت والجهد في الكثير من الأعمال، غير أنَّ هذه النظرة ليست دقيقة في مجال التربية، لقد جلبت التكنولوجيا مجموعة من التحديات الجديدة، وباتت تلعب الدور الأكبر في تربية وتشكيل عقليّة الأبناء، حيث غيّرت مفاهيم ونظريّات التربية والتعليم التي تعاملت مع الطفل على أساس أنه وعاء أو مجرد مُتَلقٍّ للتجارب التربوية والتعليمية، بل وجعلت من العملية التربوية عملية شديدة الصعوبة، فأصبحت التكنولوجيا الشريك الأكبر للوالدين في تربية أبنائهم، ولمْ تعد الأسرة هي العنصر الرئيسي والمؤثر الأهم في التربية، بل ثمّة عناصر أخرى ساهمت التكنولوجيا في ظهورها، مزاحمةً الآباء في تعليم وتوجيه أبنائهم، ما يُحتّم عليهم تغيير أساليب تربيتهم وتفهُّم عقليّة الأبناء، في ضوءِ تعاملهم مع تكنولوجيا متطوّرة وثقافات مختلفة، ورحم الله الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، حيث يقول:
«ربوا أولادكم على غير ما رُبّيتُم عليه، فإنهم خلقوا لزمان غيرِ زمانكم».
التربية منهج وفنٌّ، منهج لابدّ من تعلُّم أصوله وقواعده، وفنٌّ لابد أنْ نتقن أساليبه وتطبيقاته، وذلك من أجلِ أنْ نوظف ذلك المنهج في واقع حياتنا، وحتى يسري روح هذا الفن مع أبنائنا، فتظهر عليهم آثاره ونتائجه وتطبيقاته.
وتشكّل تربية الأبناء في وقتنا الحاضر تحدّيًا للآباء، فالوقت المتاح للكثير منهم يتقلّص باستمرار بسبب كثرة مسؤوليات الحياة من ناحية، وغزو التكنولوجيا من ناحية أخرى، ومع هذا الغزو لوسائل التكنولوجيا الحديثة، ازدادت الفجوة بين الآباء والأبناء، وأصبح الآباء هم الحلقة الأضعف في التربية أمام هذه الوسائل، وازدادت المشكلة عندما أصبحتِ الأجهزة في متناول الأبناء، دون رقابة لما يتم تصفّحه من خلالها، فقدّمتْ لأبنائنا تغذية فكرية، وثقافية جديدة ومختلفة، فحدّتْ من تطورهم الاجتماعي، وقدراتهم الإبداعية والخيالية، حيثُ أثبتت معظم الدراسات أنّ أبناء القرن الواحد والعشرين هم الجيل الرقمي (Digital generation).
ففي السنوات الأولى من عمرهم يستعملون تكنولوجيا الترفيه حوالى سبع ساعات في اليوم، وأغلبهم لديه تلفزيون في غرفة نومه، والكثير منهم يُتاحُ له مشاهدة التلفزيون عل امتداد اليوم من دون حسيب أو رقيب، كلّ هذا أدّى لوجود مشكلات سلوكيّة تترتّبُ على المعلومات غير المناسبة لهم، ولا تتناسب مع أعمارهم، وخاصة ظهور الإعلانات المُخلّة بالأخلاق، بل وحتى الألعاب أصبح الكثير منها يتخذ من العنف قاعدة انطلاق لهدف اللعبة، هذا إنْ لم تكن تحوي كذلك مضمونًا يدسُّ السُّمّ من خلاله لهم.
كلّ هذا لا يعني أنّ التكنولوجيا عدوٌّ لنا ولأبنائنا، فهي لغة العصر ولا نستطيع حجبها، وليس الحل في منعها، فهي تساعد بشكل كبير في الوصول للمعلومات واكتسابها، ووسيلة لتنمية أبنائنا ومواكبتهم للحضارة، دون أنْ نجعلها غاية في حياتهم مع تأطيرِ غزوها الفكري والترفيهي ضمن حدود قيمنا، ولكنْ بات من الضروريّ تعليم أبنائنا الحكمة منذ الصغر، وإيصالهم إلى مرحلة أو درجة فقه المعرفة، وفلسفة العلم، فلو أحسنَّا إدارة هذه التقنية، واستثمارها في التربية المعاصرة، وفعّلنا دور الرقابة من الوالدين، وإيقاظ الرقابة الذاتية للأبناء في تواصلهم من خلالها، واحترام خصوصية الأسرة، وتفعيل لغة الحوار لمعرفة طريقة تفكيرهم، واستخدام اللغة الإيجابيّة بالتوجيه، سنوفر لأبنائنا بيئة تربوية وعلمية، تواكب هذه التطورات التكنولوجية وتسخرها لخدمتهم؛ لتبقى التربية وأبجديّاتها من اختصاص الوالدين.