مقال: مابين الأمل وحسن الظن..
محسن الحاتمي
لست ممن يستبقون الأحداث دائما قبل أوانها ، ولا أحبذ استعجال تفاصيل الأشياء التي سوف تفاجئني في المستقبل كحاضر متدلِِ أمامي، ولا الخوض في شكليات ( كيف ومتى ) التي أجدها بغض النظر هل سوف تكون محطة حزن أوإسعاد حينما تحين لحظة ظهورها.
مهما أبتعدت وهاجرت وتركت مخلفا ورائك أرضا سيظل يلازمك ويغزو أفكارك متسللا للبحث عن لحظة لتتويج ذلك الأمل بنشوة إنتصاره أو إخفاقه ، وقد يكون التشبث بشيء وهمي غير واقعي وصنع مخيلة إفتراضية مثالية من الصعب إيجادها على أرض الواقع لتنبثق من العدم إلى الوجود ، وحتى لا أعيد نفس الأمل وتأطيره بأطر جديدة في كل مرة تارة أجده ضئيلا جدا وتارة أخرى يتسع حجمه ليتلاشى بعد ذلك .
ومع إصطناع مستقبل حاضر مزيف لكي أوهم نفسي لا أستطيع العيش بدونه فعلمت بأنه لايحقق نصرا دائماً.
حتى بإمكاننا رسم صورة ملامح واقع معين بإعتقادنا سيظهر على العيان ليس من قاموس مفردات المستحيل تحقيقه ، ولا من ضمن معاني اليأس التي تراودني كي تثنيني عن التراجع في تفكيره..
عندما نؤمن بكلمة اليأس سوف تتكسر جميع كلمات المواصلة وينقطع جريانها و تدفقها لعدم وجود مجرى قد هيئت له سبل الإستمرار وبذلك أنغرس مفهوم الإحباط. لكن المثابرة على الشي مع وجود القدرات والإرادة القوية كفيل لنيل الهدف المنشود تحقيقه ، أما الطموح الذي حدد له سقف معين بحيث الوصول إليه يتطلب جهداً إضافيا من منافسة الغير والتربع على أعلى المستويات لا يعني أنني أفضل من غيري لكن القدرات هنا ميزتني ، ولا يمكن إعتبارها معياراً أو مرجعا يحتذى به في كل شي ، ويبقى لكل واحد شأنا مخالفا حسب ظروف أرضية الأجواء المحيطة به التي جعلت منه شخصية مؤثرة فاعلة..
فالأمل يتملك كل شخص أستوطن واقعه الخيالي المستقبلي ليظهر بصورة أما مع أمنيته بإتجاه المحور الموجب ، أو عكس ما خطط له سلفاً ليرتسم بصورة مخالفة تماماً لإزاحة ذلك الشكل المرتسم باتجاه المحور السالب ، ثم نراه يعيد ترتيب نفسه ليتمركز بنقطة الأصل إلى بداية تنشأته.
بعد ذلك أما أن يعاود المحاولة ليرسم صورة أخرى عن تلك الأولى التي باءت بالفشل ويسلك نفس المحاور أو يكتفي بالأولى التي غرست في نفسه مفهوم التفوق أو الإحباط. ، غالبا لن يلجأ لمبدأ إتاحة الفرصة أمامه ظنا منه إهدارا للوقت أو بمثابة الخوض في محاولة أخرى ستكون بنفس نتيجة المحصلة النهائية ، وهنا سيبقى الأمل دائما ليس من طبعه الوفاء والإخلاص ، وإنما يقتنص الفرص ويستثمرها متى أتيحت له الأجواء وتحسنت الظروف واجتمعت معه جميع المستويات..!!
بين الوهم المقترف واليقين المفترض يتولد اليقين الحقيقي وتؤمن بأن وراءه قوة خارقة غير ظاهرة ملموسة النتائج ستكون الدافعية قوية ، ووقود محفز بأن هناك مشيئة إلهية تدبر هذا الكون بعيدا عن كل المواعيد والصدف نسفت كل قواعد النظريات بأن كل شيء تم تنزيله بقدر، وماخبئت له الأقدار إلا حكمة القادر المقتدر كمفاجأة ينتظرها نظير إيمانه القوي بالله المتأصل في قلبه ..
هنا فرضت له معادلات جديدة ومتغيرات مختلفة نتيجتها حتمية بحسن الظن بخالقه ، وعند التمسك به وإستحضار مراقبة الله وثوابه بأنه سوف يحصل على أجمل الأقدار حتى ينال أعلى علامات الصبر على الإبتلاء و الإصرار على عمل الصالحات كخطان متوازيان متكافئان متكاملان ، وعندما تتوحد جميع المعطيات ويتطابق معها الجد والاجتهاد في العقائد والعبادات تتذلل كل الصعاب لتتمهد وتصبح واضحة المقصد ونصره الذي حققه كان من أجل حسن الظن بخالقه والتوكل عليه لمن استحق الوفاء والإخلاص له بإتباع أوامره وإجتناب جميع نواهيه من المستحبات والمحرمات سيطمئن الإنسان من ناحية العناية والرعاية الإلهية.
لن يضيع جهداً ولاسعيا تعب من أجله سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته..
(( ووجدوا ماعملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحدا )) .
abu3lhasan@gmail.com