رحمك الله يا والدي
خليل بن سالم بن حارث العبري
سوف أقِف معكم وقفات وتأملات في سيرة رجل كان له بصمات ولمسات تربويَّة ، كان لها الأثرُ الإيجابيُّ الكبيرُ في مسيرة حياتي .
رحمك الله يا والدي ! الكثير والكثير من المواقف التي تَعلَّمنا منها وتربَّينا عليها منكَ – راسخةً في ذهني ، حيَّة في ضميري، تمُرُّ ذكراها العَطِرة دائمًا على فؤادي ومُخيِّلتي .
ذاك الجيل لم يَتربَّ ويتعلَّم في مدارس حكوميَّة ، ولم يَتسنَّ لهم الالتحاقُ بالجامعات أو المعاهد والكليات ، ولم يتيسَّر لهم الابتعاث إلى أرقى الجامعات العالَمية ، إن المدرسة التي تعلَّموا فيها، ونَهِلوا منها العلمَ ، واكتسبوا منها أفضل الصفات – مدرسةُ الحياة المفتوحة ، كانت حياتهم مليئة بالتحدِّيات والتضحيات ، عانوا فيها مَرارة الحِرمان ، وقلة ذات اليد ، يُضاف إليها مسؤوليات عِظام لا بد من القيام بها وأدائها على أكمل وجه .
غالبية مَن عاش في هذه الفترة العصيبة مِن الزمن لم يَكُن للترفيه في حياتهم مكان ، بل جدٌّ ونَصَب وعَمَل ، للوفاء بالحدِّ الأدنى من الحياة الكريمة، ومتطلباتها الجسيمة .
رغم مرارة الحياه وقساوة الزمان قد حارب من أجل أن يكون متعلما رافعاً رصيده الثقافي .. تعلم القرآن وعلومه وثابر للتعلم المدرسي كان يسير مشياً من الوادي الى الرستاق من أجل العلم وبعدها التحق بتعليم الجامعي بدون كلل أو ملل تحدى الصعاب من أجل العلم ..
ولَعلِّي هنا أُشير إلى بعض الصفات التي كان يتميَّز بها رحمه الله وغفر له ، وتعلَّمْنا منها الكثير ، ولعل من إيجابية ذِكرها أن نتعلَّم ونستفيد طريقة غَرْس القِيَم الفاضلة في نفوس أبنائنا وأحفادنا.
1- سماحة النفس:
كان رحمه الله سمح النفس، طيِّب المَعْشَر ، هيِّنًا ليِّنًا ، ليس بِالفَظِّ الغليظ ، منذ أن عرَفته حتى مماته رحمه الله كان دائمَ الابتسامة ، لم أسمع منه يومًا تَشَفِّيًا من أحد ، أو بَثَّ أحقاد في نفوس الناشئة على من حوله ، وتَكمُن أهمية هذا الخُلُق الكريم في أنه يُربِّي الأبناء على حُسن الظن بمَن حولهم ، ومحاولة إعذارِهم إنْ بَدَر منهم أيُّ خطأ، وهذا له دور كبير في زيادة التلاحُم والتقارُب بين أبناء المجتمع.
2- كان رحمه الله يُجيد التعامل مع الصغار بطريقة تُشعِرهم أنهم في مَصَافِّ الكبار ، كان يَحترِم عقولَهم وأفكارهم ، ويُنمِّي فيهم معاني الرجولة والقِيَم الفاضلة كان يستطيع قراءة أفكارهم ومخيلات عقولهم ..
وللعلم ، لا يُجيد هذا الفنَّ مِن التربية السلوكية إلا النادرُ من الناس ، رغم أهميته البالغة في بناء جيل واثق من نفسه وقدراته.
3- لَعلِّي أذكر هنا موقفًا حدث لي معه ، وبعده نقف وقفاتٍ في أثره التربويِّ:
حدث وإن كنا في زيارة إلى أحد المشائخ ، وكنت وقتها في منتصف العشرينات من عمري، ..
بعد السلام والتحية كان يقول لوالدي ارى الشبه الكبير بينكم على ما يبدوا أنه اخاك ..
فكان رد والدي العزيز ، نعم .
هذا هو إبني وأخي و صديقي .. حينها شعرت بالفخر والاعتزاز بالنفس .
رجل قد تجاوز منتصف الأربعين من العمر ، وبكامل هيبتة ووقاره يُلقِي بثقته كاملة على شابٍّ صغير ، قليل التجرِبة في هذه الحياة، يقول له أنت إبني وأخي وصديقي ، كيف – بالله عليكم – سيكون أثرُها على هذا الشاب الصغير؟
نعم، إن إعطاء الثقة للصغار ، والاستماع لآرائهم، وتَبنِّي أفكارهم – سوف يبني جيلًا إيجابيًّا ، واثقًا من نفسه وقدراته.
4- العفو والصفح:
لَعلِّي قبل أن أتكلم عن هذه الصفة التي كان يتميَّز بها رحمه الله ، أذكُر تقسيمَ الناس في حال الغضب والرضا:
• منهم سريع الغضب، سريع الرضا.
• منهم سريع الغضب، بطيء الرضا.
• منهم بطيء الغضب، سريع الرضا.
• منهم بطيء الغضب، بطيء الرضا.
كان رحمه الله بطيءَ الغضب سريع الرضا ، وهي من أرقى وأجمل الصفات التي أفنى كثيرٌ مِن المُتعلِّمين والمُربِّين وعلماء النفس والسلوك أوقاتَهم وجهدَهم للوصول إليها .
5- طيبة النفس وحسن الخلق ..
كان رحمه الله طيب النفس يحاول إرضاء الجميع و يكون عون لمن يستطيع مساعدتة بدون مقابل حتى كانت آخر عبارات حياتة ..
كن جميلاً مع الكل ، فهُناك لحظة ودآع ليس لها وقت ،، .
رحمك الله يا والدي وغفر لك ، وجعلك في الجنة من رفقاء الحبيب المصطفى، الذي قال ، وهو أصدق من نَطَق -: ((أقربُكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنُكم أخلاقاً ))