اترك أثراً لا يمحى
بقلم / علي بن مبارك اليعربي
بمجرد وصولك إلى هذه الدنيا تبدأ بالصراخ لتشعر من حولك بأنك موجود و ليس هذا فحسب، بل وتنتظر منهم الاهتمام طوال فترة طفولتك وعندما تصل إلى سن البلوغ و الإدراك تبدي رغبة في ترك أثر ٍجيدٍ في نفوس من حولك وقد تكون غاية من غاياتك التي تريد الوصول إليها ،وهذا الأثر دائما ما يكون إيجابيا لأنه يترك لك رصيدا ضخما لدى الآخرين و يجعل أي خطأٍ معهم مغفوراً لك والتماس العذر منهم سهلا مرناً سرعان ما يشعرك هذا بالأريحية وسرعة الإنجاز.
فلا يعني ذهابك إلى المدرسة كل صباح ووقوفك في طابور الصباح و تسجيل حضورك في الصف أنك قد أصبحت طالب علم.
كما لا يدل الأكل و الشرب والحركة لدى الإنسان على أنه ضمن الأحياء.
فلكي تبرهن على وجودك ضمن صفوف الأحياء لابد من ترك أثر وصنع فارق ولن يتأتى لك ذلك إلا من خلال استغلال كل جزء من وقتك في أي عمل تؤديه، وتطوير قدراتك فيه ، وإيجاد علامة فارقة وسمة تميزك عن غيرك ، وتخصيص وقت للقراءة والاطلاع على كل جديد في مجال عملك و لا تنسَ أن تعطيَ من وقتك جزءاً لتلاوة القرآن و جزءاً للأذكار تحصينا وتنقية لنفسك وروحك، فكلما كان وقتك منظما موزعا كلما كان أداؤك رائعا مميزا و إنجازاتك متوالية عظيمة.
فاللذة أن تجعل للحياة قيمة فقيمتنا في الحياة ليس بما نحوزه من الذهب والمال ولا شرف النسب و علو المنصب وإنما تكون َ ذي قوة عاملة و أثر خالد يشار إليه بالبنان.
والسؤال هنا عزيزي كيف نصنع الأثر؟
إننا عندما نريد أن نصنع أثرا فعالا دائما يستفاد منه حتى بعد وفاة صاحبه و لفترة طويلة من الزمن يجب أن يكون ذلك الأثر ذا هدف سامٍ يعزز الترابط والتٱلف بين البشريه، وكذلك يحدث نقلة نوعية في تطورهم ويسهل عليهم الأداء و يقتصر زمنه مع تجويد ما يقومون به من أعمال.
فهناك قاعدة نتعلم منها مهارة الاتصال والتواصل والتي تقول (إن كنت تريد معرفة مدى رضاك عما تقوم به تجاه الآخرين.. ما عليك فقط سوى عكس المرآة ) وهذه القاعدة ليست لغرض الاتصال والتواصل فقط وإنما نطبقها أيضا لمعرفة لماذا نرغب في ترك أثر لا يمحى؟
فكل إنسان له غايته في الأثر الذي يرغب في إبقائه بين الناس. ولن يبقى أي أثر إن لم تكن غايته رضا الله عز وجل أولا، و ما يسعد خلقه ثانيا وترضى به نفسه.
لذلك عليك عزيزي أن تبحث عن الأثر الذي تسجل اسمك فيه بين أصحاب المآثر الجليلة لأن هناك من ترك خلفه أثرا دمر به حياة البشرية وأضعف ثقتهم بأنفسهم و المحيطين بهم. ومع هذا فهم يدركون بأن ما اقترفوه غير راضين عنه فبما أنه كذلك فهو لا يرضي الآخرين.
لذا عليك عزيزي أن تعرف ما الأثر؟ وما قيمته؟ وكم مدة بقائه؟ بذلك فقط ستعرف كيف تطبعه وأين تضعه؟ ومن المستفيد منه؟ فكلما كان عاما شاملا يتجنب المصالح الشخصية يبحث عن التفرد والتميز ، كلما كان ذلك أثرا لا يمحى لأنه نحت على أرض صلبه يصعب محوه أوتجاهله. ويبقى قيمة مضافة في حياة صاحبه ورمزا منحوتا يصعب إزالة أثره مع إمكانية السير عليه والإهتداء به في الحاضر و المستقبل.
فكن فطنا صديقي ولا تجعل عبورك في هذه الدنيا بدون أثر فلست إلا زائرا فيها فأيامك تمر سريعة فلتحسن استغلالها ولا تترك هذه الحياة بدون أن تأخذ منها شيئا، فما تأخذه منها هو نفسه ما تبقيه فيها.
بهذا ستبقى حيا بعد مغادرتك لها حيث سيتذكرون اسمك بإنجازاتك و إبداعاتك ،
فما أروع أن يكون لك هدف تسعى لتحقيقه! يحييك ما بقيت الدنيا خالد الذكر بذلك الإنجاز وذلك الأثر. واحذر عزيزي أن تلتصق بأثر الآخرين فسرعان ما ينكشف أمرك وينفضح زيف ذلك الأثر لهم و يمحى أثرك و ليكن شعارك دائما وأبدا كما يقال أثر يبقى وأجر يرقى بإذن الله تعالى واخلص العمل فالإخلاص فيه صلاح للقلب والفكر ولا تنتظر منه مدحا ولا ثناءً ولا تنتظر منه جزاءاً واحتسب الأجر والثواب من الله الواحد الأحد. ففي باب الإِخلاصِ واستحضار النيَّة في جميع الأعمال والأقوال والأحوال البارزة والخفيَّة نستحضر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَعَنْ أبي هُريْرة عَبْدِ الرَّحْمن بْنِ صخْرٍ قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ “) رواه مسلم.