من ينتصر ،،، التعليم أم كورونا؟
أحمد بن موسى بن محمد البلوشي
يعيش العالم الآن أزمة وباء كورونا والتي لم يشهد تاريخ البشرية الحديث مثيلًا لها، فلم تقتصر آثار هذه الجائحة على اقتصاديات الدول وأنظمتها الصحية والاجتماعية فحسب، بل وامتدت هذه الآثار وانعكاساتها على كل جوانب الحياة من حولنا ليعيش العالم في شد وجذب ممتد لاتعلم له نهاية تقديرية، فقد ألقت بأثقال ظلالها على قطاع التعليم، فكان هذا القطاع الحيوي الهام من أكثر القطاعات تأثرا بهذه الكارثة، حيث دفع بهذه المؤسسات التعليمية (المدرسية والجامعية) لإغلاق أبوابها كخطوة من خطوات الوقاية للتقليل من فرص انتشاره، مما أثار الخوف والذعر لدى جميع منتسبي هذا القطاع، حيث وصفته المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي بقولها ” لم يسبق لنا أبدا أن شهدنا هذا الحد من الاضطراب في مجال التعليم”. كل هذا الاضطراب في نظام التعليم دفع بالمجتمع التعليمي إلى تعديل خططه وتهجين ممارساته لتوفير التعليم لأبنائه الطلبة، والتحول إلى التعلم الإلكتروني( E-Learning)كبديل طال الحديث عنه حول ضرورة دمجه في العملية التعليمية؛ وذلك بعد أن تأثر التعليم بشكل مباشر بأتمتة الذكاء الصناعي، وإنترنت الأشياء، وكذلك ثورة تكنولوجيا المعلومات التي اقتحمت معظم أشكال حياة الإنسان وأصبحت جزءا أصيلا منها.
إن استخدام التعليم الإلكتروني في العملية التعليمية هو أحد طرق التعلم العصرية وهو ليس وليد اليوم بل يعود إلى ما قبل عام 2000. وتوجهت غالبية المؤسسات التعليمية نحو التعليم الإلكتروني كبديل أنسب لضمان استمرار العملية التعليمية، ويعتمد أساسا على قيام المعلم باستخدام تطبيقات مختلفة كمحادثات الفيديو عبر الإنترنت مثل “غوغل” و “ويب إكس ميت” وغيرها الكثير، حيث يقوم المعلم بإلقاء الدروس من الفصل الافتراضي، ويستقبل الطلبة الحصة وهم في بيوتهم، أو في أي مكان من العالم، ويفتح الفصل الافتراضي أمام الجميع للمناقشة التفاعلية والمشاركة الفصلية بشكل يحقق الفائدة لكل الطلبة من أي مكان.
التعليم الإلكتروني هو أحد نواتج التعليم المعرفي الحديث، وتُشير مؤشرات تعليم المعرفة أن التعليم الإلكتروني سيحقق مزيدا من الانتشار في كل أنحاء العالم، وستكون له المكانة الرئيسة في منظومة التعليم، وتزداد الحاجة إلى التعليم الإلكتروني في الظروف الطارئة التي يعيشها العالم اليوم بسبب انتشار وباء فيروس كورونا. ورغم إيجابيات التعليم الإلكتروني فإن هناك أسئلة عن فعاليته كبديل كلي للطرق التقليدية، وما مدى الاستعداد لذلك؟ وما هي التحديات التي تواجه التعليم الإلكتروني؟ وما مدى جاهزية المعلم لذلك؟ وهل التكنولوجيا التي تساعد على تطبيقه متوفرة ؟ هذه الأسئلة وغيرها لابد أن تكون نصب أعين متخذي القرار.
أزمة كورونا دفعت التعليم الإلكتروني نحو الواجهة، فأصبح الخيار الوحيد أمام الجميع. ويبقى السؤال الذي يدور في فكر الكثيرين، ألا وهو: هل سيستمر زخم التعلم الإلكتروني فيما بعد كورونا، أم إنه سيخبو وتعود الأمور إلى مسارها السابق؟، وهنا أقول بأن أنجع الحلول حتى ما بعد كورونا هو الاعتماد على التعليم الإلكتروني، وتوظيف تطبيقات وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وهذا ما ينادي به مولانا صاحب الجلالة هيثم بن طارق المعظم، فالتعليم الإلكتروني خلال هذه الفترة البسيطة من الجائحة أثبت إنه الحل الوحيد لاستمرار تدفق العلم والعلوم في العالم، وفي كل المؤسسات التعليمية، فيجب الاهتمام به اهتمامًا موسعًا وأن يكون له نصيب من العملية التعليمية، فليس من الضروري أن يقضي الطالب يومه الدراسي في المدرسة وبين جدران الفصول الدراسية، بل بإمكانه التواصل مع معلمه وهو في بيته أو حديقة منزله أو في أي مكان يراه مناسبًا له.
وعما قريب سيبدأ العام الدراسي الجديد، فهل في هذه الظروف سيلتحق الجميع بالتعليم من خلال حضورهم للمدارس؟ وركوب الحافلات المدرسية؟ أم سيؤجل العام الدراسي؟ أم سيقتصر التعليم على فئة معينه؟ الأفكار كثيرة ومتعددة، ولكن حل التعليم الإكتروني هو أنسب الحلول، ويضمن حق الجميع في التعليم، فهو وسيلة من الوسائل التي تدعم العملية التعليمية وتحولها من طور التلقين إلى طور الإبداع والتفاعل وتنمية المهارات، وإن كان البعض يشتكي من ضعف الشبكات فهذي رسالة وفرصة لشركات الاتصالات لتطوير شبكاتها.
وشكوى البعض من قلة الأجهزة الإلكترونية واعتبار هذه النقطة عائقًا آخر، فمن الممكن تخطيه بتكاتف الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص لتوفير أجهزة للطلبة، وبوضع خطة مجدولة يمكن الاستفاده منها في تدريس الطلبة وبطريقة احترافية دون أن يكون توفير جهاز لكل طالب هو الحل الوحيد.
أخيرًا ،، سنواجه تحديات كبيرة لمواكبة هذا التحول نحو التعليم، ولكن بالتخطيط السليم يمكن التغلب على هذه التحديات، بشرط أن لا يرجع التعليم الإكتروني رفوف المكتبات بعد كورونا.