بأي حالِ عُدت يا رمضان
سليمان المعمري
يقول الشاعر أبو الطيب المتنبي :
عيد بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم بأمر فيك تجديد
هكذا هو المشهد في شهر رمضان المبارك لهذا العام، الذي ستغيب عنه الكثير من المشاهد الإيمانية العظيمة، والجوانب الخيرية الكثيرة، ولربما سيكون ضيفا عابرا ولا يستشعر أحد بعظمته إلا من وفق في صيامه وقيامه، وأدرك أنه شهر الخير والمكرمات، والعطايا والهبات، وإن غابت عنه المشاهد الرمضانية المعتادة.
الكثير من المشاهد الرمضانية الجميلة التي لن تكون حاضرة في هذا الشهر الفضيل، كإقامة الصلوات المفروضة جماعة في المساجد، وصلاة التراويح وصلاة التهجد، إضافة إلى أعمال الخير والإحسان مثل الإفطار الجماعي وصدقة صائم، وزيارات الأهل والأقارب، علاوة على الأنشطة الدينية والثقافية والاجتماعية والرياضة المختلفة.
ليس من السهل أن نعيش أيام هذا الشهر الكريم بدون تلك المشاهد الإيمانية والتجليات الروحانية، ولكن نعلم علم اليقين أن ما قدره المولى عز وجل كله خير ومثوبة للمسلم، والكيّس من آمن بذلك، واستثمر هذه المحنة خير استثمار وحولها إلى منحة، وشمر عن ساعد الجد والاجتهاد، والبذل والعطاء، وتعاهد مع نفسه ليكون هذا الشهر لهذا العام انطلاقة إيمانية له، وعهد جديد مع ربه ليكفّر عن تقصيره فيما مضى، وأن يصلح ما به فيما بقى.
ولنعلم أن نفحات رمضان لم تتغير، ونسائمه لم تنقطع، وخيراته لم تتبدل، وفضائله لم تذهب؛ لأن المقام الأول منه هو العبادة، لذا لا نجعل من هذه المحنة عذرا لنتهاون في العبادة، وحجة لنفرط في الطاعات، فإن كانت الصلاة قد منعت في المساجد فلم تمنع في المنازل، وإن منعت صلة الأرحام بالزيارات فلم تمنع بالاتصالات، وإن منعت أعمال الخير والإحسان بالتجمعات فلم تمنع بالتبرعات، فهنالك ولله الحمد بدائل يسيرة تجعلنا نمضي قدما في اغتنام هذا الشهر دون أعذار أو مبررات.
ولعل هذا الشهر الكريم أيضا فرصة للخلوة مع الذات، والتعويض على ما تم التفريط به في جنب الله، وإنجاز ما كان مستصعب، كحفظ القرآن الكريم أو قراءة الكتب، أو القيام بالأعمال المنزلية أو ترتيب الأولويات، وجدولة الأوقات، وغيرها من الأعمال والمنجزات التي نرغب في تحقيقها، لذا وجب أن تكون العزيمة لدينا حاضرة والهمة وقادة، والإخلاص ثابت، والطموح مرتفع، والروح وثابة، ولا نركن إلى الوهن والضعف، والغفلة والتفريط في موسم من مواسم الطاعات والعبادات.
نسأل الله جل قدرته أن يرفع عنا هذا البلاء ، ويرفع عنا الوباء ، وأن يرحمنا برحمته الواسعة ، وأن يشملنا بفضله ومنه ، وأن يجعل هذه المحنة أجر وثوابا لنا واحتسابا ، وأن يكرمنا بخير وفضل رمضان ، وأن يعيننا فيه على الصلاة والصيام والقيام وعلى قراءة القرآن وعلى البر والإحسان.