الساعة اليتيمة
خميس بن محسن البادي
ثمة أقوام يتواجدون في مشارق و مغارب هذا الكوكب يظهرون فسادهم في بره و بحره بأيديهم، نتيجة ما يبدر منهم من تعدي سافر في سباقهم المحموم نحو من الذي يمتلك منهم أعظم الصناعات في نوعها و كمها، نعم منها ما هو المفيد للبشرية ولكن في المقابل منها ما هو دون ذلك بل هو الوبال بعينه ليس للبشرية جمعاء فحسب بل لكل الكائنات الحية و سائر المخلوقات، و للأسف هناك منّا أمة على نهجهم ساروا ليس بالضرورة فيما يفعلوه ولكن بما يطلبونه إليهم هم أن يفعلوه، ثم يأتون مستهزئين و هم بظاهر القول و الواقع مبدين أسفهم و ندمهم، جاؤوا إلينا تحت غطاء الصندوق العالمي للطبيعة يطلبون إلينا الوقوف لنصرة كوكبنا هذا من التلوّثات، و أي تلوّثات تلك التي جاؤوا يطلبون لأجلها طلبهم، إنها التلوّثات الضوئية الناجمة عن الإنارة في الشوارع و المباني و المنشآت المختلفة، دون مفرزات أدخنة مصانعهم التي تعمل بكامل طاقاتها على مدى عام تلو العام، ساعة يتيمة فقط من أصل(خمسة و ستين و ثلاثمائة يوم) هي الساعة التي ستنصر الأرض كما يدعون زيفاً و من ماذا؟، من التلوّث الضوئي، إنه الضحك على الذقون بحق، و لو لا كذلك لما تنصلت بعض الدول الصناعية الكبرى عن التوقيع على معاهدة خفض الانبعاثات الضارة بالأرض و طبقة الأوزون، ليأتوا أخيراً مناشدين و من غير استحياء بساعة زمنية واحدة لنصرة الأرض و من التلوّث الضوئي ليس غيره.
شخصياً لست متخصصاً في المجال البيئي، و رغم هذا فإني اختلف كلياً مع تفعيل هذه الساعة كل آخر يوم سبت من شهر مارس من كل عام كما دعت إليه الجهة المغرضة، و سأكون كذلك ما لم يثبت للعالم الجدوى الحقة و الملموسة من فعالية إطفاء الأنوار لساعة واحدة بعد كل اثنا عشر شهراً ميلادياً، مقارنةً بالأبخرة و الأدخنة و باقي المحتبسات الحرارية التي أضحت تثقل كاهل هذا الكويكب المسكين… و لكن..
و في بلدنا سلطنة عُمان بلد الحضارة و الأصالة و العراقة بلد التاريخ الموغل في القِدَم، يكمن ثمة استمتاع بإطفاء الأنوار ليس لخدمة الكوكب كما هم يزعمون لنا كذباً، و لكن توفيراً للطاقة من جانب و من جانبٍ آخر للمتعة التي ينشدها كل صاحب هدوء و سكينة و روحانية،، إنها بضعة ليالي من كل شهر قمري لا سيما الثلاث البيض منها، حيث القمر في ذروة ضيائه المنتشر في أرجاء المكان و الذي يذكر بعضنا بتلك الليالي التي يحلو لنا السمر و السهر فيها مع أقراننا و نمارس في الوقت عينه بعض ألعابنا التقليدية خاصة لعبة رمي العظم و البحث عنه تحت سنا القمر.
و اليوم و مع عصر المدنية و التطور كما يعرفه الجميع صار رعيل ما قبل هذه الحداثة يتطلع شوقاً إلى التمنظر لضوء القمر و إلى النجوم في الظلام الدامس و تلألئها زهوّاً في السماء، و التي كنا نحصي بعضها و نحن صغاراً عندما نكون قد أوينا للتو إلى مضاجعنا المتواضعة التي عادة ما تكون في العراء أو على أسطح البيوت صيفاً، فكنا نرى النجوم و هي تهوي آفلة تجر بقاياها خلفها، أو كما كان يسميها الآباء(نجم أبو ذيل) الذين و رغم عفويتهم إلا أنهم كانوا يهللون و يكبرون حينما يرون نجماً يأفل بتلك الطريقة، حيث لم تكن أية ملوّثات تحول دون صفاء السماء بما بها من كواكب، مع وجود هذه الخاصية إلى الآن في بعض القرى الريفية البعيدة عن مراكز المدن، فما أجمل أن نطفئ أنوار منشآتنا و طرقنا و لو لساعات خلال فترة ضي القمر، ونمتع ناظرينا بهذه الطبيعة الخلابة الجميلة.