ساعةٌ منسية
د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري
باحث وكاتب أزهري
تلك الساعة التي تمنيت أن أسرقها من وسائل التواصل الحديثة التي أزعجتنا، وغيرت اهتمامنا، وأثرت في علاقاتنا الاجتماعية، ولن أكون كاذباً حين أقول بأنها ساعاتٌ، وليست ساعة واحدة، يعيش فيها الشخص يومياً مع هذه البرامج بشغف وحب متنقلاً من برنامج لآخر.
أريد لنفسي كما يريد الآخرون الابتعاد عن هذه الوسائل الحديثة، وعدم الاقتراب منها إلا لحاجة، أو منفعة دنيوية أو أخروية، فنتجرد فيها لذاتنا، ونسكن بهدوء مع أنفسنا، ونركن إلى ركن من أركان المعرفة فنتقن جانباً منها.
إنّ إدمان هذه الوسائل والعكوف عليها والشغف المستمر بها مرضٌ نحتاج للعلاج منه، وحتى تتأكد من مرضك فضع قريباً منك كتاباً ليوم واحد، وإذا حدثتك نفسك لتصفح هذه البرامج فخذ على نفسك عهداً ألا تقترب منها مدة هذا اليوم.
ولسهولة الأمر فحاول حينما ترغب في تصفح هذه البرامج الإعراض عنها، واستبدالها بمطالعة صفحات من الكتاب الذي حدثتك عنه، وساعتئذٍ ستعرف مقدار ما نهدره من أوقات في متابعة هذه البرامج، وأغلبها مما لا نفع فيه، بل مضيعة للعمر والوقت.
مَن يتابع هذه البرامج يقض وقتاً طويلاً في متابعة الأحداث، والانتقال من صفحة شخصية لأخرى، وقراءة بعض المواضيع، وربما يشاهد بعض المرئيات ويستمع لها باهتمام، وبالتالي فهو يملك قدرة على القراءة، وصبراً على المشاهدة، وتحملاً على الانفراد بنفسه في المتابعة.
إنّ حال هؤلاء مع هذه البرامج كحال السابقين ممن كانوا يقرؤون الجرائد، ويتصفحون المجلات من غير أن يكونوا لهم غرضٌ معين إلا التسلية أو ذهاب الوقت، وهي هي نفسها العلة التي من أجلها يتصفح هؤلاء البرامج الحديثة، فغالب من أعرفهم وأرى حياتهم من هذا الصنف، فيتابعون للتسلية أو لإضاعة الوقت، وبعضهم للخروج من حالة الملل التي يعيشها.
وقد يعارضني البعض بأنهم يقرؤون، حيث لا تخلو هذه البرامج على كثرتها من نقل حكمة، أو ضرب مثل، أو ذكر عبرة، ولكنها قراءة لا تفيد شيئاً، ولا تبني معرفة، فلم تخلق المعرفة لهذا، ولم توجد القراءة لهذا، وإنما الذي يفيد الإنسان هي القراءة المنتظمة وفق أهداف محددة، وحال الشغوفين بهذه البرامج كمن يتجولون في الشوارع من غير تحديد لوجهتهم، أو الحصول على غرض، أو يتسكعون في الشوارع لإضاعة الوقت، ومرور الساعات.
القراءة كغيرها من العادات يمكن اكتسابها بالصبر على الكتاب، ومحاولة الولوج فيها، ولقد عرفت كثيرين كانوا في عزوف عن القراءة فيما مضى من حياتهم، وربما في عداء معها، ثم تم توجيهم لها فصاروا يتحسرون على أيام مضت وساعات ذهبت فقدوا فيها لذة القراءة، والعكوف في محرابها.
يحتاج القارئ المبتدئ إلى تدرج في عالم القراءة؛ لأنها عملية تراكمية، فتحتاج أياماً ليست بالقليلة للرقي فيها، وتعويد نفسك الجلوس لأجلها، وقطع الشواغل عنها، وهذا الأمر منذ دخولك هذا العالم الممتع إلى أن تصير قارئاً شغوفاً، وأثناء انتقالك من دور إلى دورٍ ربما تفتر أو يصيبك ملل، أو إحباط فلا تيأس، وواصل السير في عالم القراءة إلى أن تصل.